نقطة انطلاقة:
ترددت على منزلي فقيرة محتاجة في شهر رمضان وفي اليوم الأول أعطيتها عن طيب خاطر ولما رأيتها في اليوم الثاني شعرت بضيق، رغم أن المبلغ الذي أعطيها لا يكفي لشراء بعض الأرغفة.. وفي اليوم الثالث لم أكد أراها حتى شعرت بضيق شديد وقلت لها: "مش كل يوم" وقد كانت شديدة الأدب، وبعد دقائق معدودة شعرت بحجم المأساة والصاعقة التي نزلت عليّ ماذا فعلت؟ وماذا قلت؟ وتذكرت كرم المولى عز وجل الذي لا يرد من يسأله، الذي يغضب إذا لم يسأله العبد، ويحب العبد الذي يتردد على بابه ويلح بالطلب والدعاء، وتذكرت كم مرة سألته وكم حاجة قضاها لي سبحانه، وتذكرت قوله تعالى "قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذاً لأمسكتم خشية الإنفاق وكان الإنسان قتوراً".
وقد جاء في الصحيحين: "يد الله ملأى لا يغيضها نفقة، سحاء الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض فإنه لم يغض ما في يمينه"، وتذكرت أن الله تعالى يعامل خلقه كما يعاملون بعضهم البعض، وأن الجزاء من جنس العمل.
انفق ينفق عليك:
ورمضان شهر العطاء, شهر البذل كان فيه الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم أجود من الريح المرسلة، فليكن رمضان نقطة انطلاقه للبذل والعطاء والإيثار، فمن حكم الصيام أن يشعر الغني بما يشعر به الفقير من الجوع والعطش، فيلين قلبه و تنفق يده، ليعلم المسرف الذي يأكل في اليوم عشرة أصناف وربما أكثر من الأطعمة أن هناك من لا يجد إلا لقمة جافة يغمسها ببعض الزبادي أو الشاي، ليشعر الغني بحرقة الجوع والعطش التي يعاني منها الفقير طوال العام وهو ينفق الآلاف المؤلفة على كماليات وسفاسف الأمور، وهناك من يشتري في الشهر بما يقارب ثلاثين إلى أربعين ألف "كروت شحن للهاتف الجوال" ومن تشتري الفستان الواحد بعشرات الآلاف ومن يشتري الحذاء -أكرمكم الله- بأربعين ألف، فإذا قلت لهم هناك مساكين وهناك فقراء وطلبت لهم بعض التبرعات أخذ كل واحد منهم يشكي ضيق الحال والحياة الصعبة في ظل هكذا ظروف، وإذا قوى قلبه وأخرج مائة ريال أو في أحسن الأحوال ألف ريال "تخرج روحه خلفه".
لابد أن نعلم أنه لن ينفعنا ولن يبقى لنا إلا ما قدمته أيدينا وأن الصدقة تطفئ غضب الرب وتدفع نية السوء، وفيها دواء لكل داء قال صلى الله عليه وسلم "داووا مرضاكم بالصدقة وما نقص مال من صدقة".
دعاء اليوم:
اللهم ارزقنا وارزق بنا، وأسعدنا واسعد بنا، وأهدنا وأهد بنا، ونور قلوبنا ونور بنا.. آمين.
أحلام القبيلي
الحمد لله إنه الرزاق 2579