لا تزال الولايات المتحدة تجر الخطى بتثاقل في تعاملها مع الأزمة في سورية. وها هي وزيرة خارجيتها تتحدث بتعابير مبهمة عن فكرة طرحت في بدايات الثورة لإقامة «مناطق آمنة» بغطاء من مجلس الأمن. لكن كلينتون ألقت بعبء إنشاء مثل هذه المناطق على كاهل الثوار أنفسهم، وقالت ما معناه أن الأمر يتوقف على قدرتهم على الاحتفاظ بالمناطق التي يحررونها من نظام الأسد، من دون تقديم أي وعود بمساعدتهم في هذا الخصوص من خارج إطار الأمم المتحدة.
ومن الواضح أن كلام كلينتون لا يتناسب مع التطور الكبير الحاصل في عمل المعارضة السورية التي نجحت في قتل بعض رموز النظام، وتمكنت من تهديد العاصمة دمشق، وفتحت جبهة جديدة في حلب، ولا يواكب اتساع حركة الانشقاقات العسكرية والديبلوماسية، لأنه لا يمكن الاكتفاء بتزويد الثوار أجهزة اتصال بينما يتلقى جيش الأسد العتاد والخبرات والمال وحتى الرجال من روسيا وإيران.
والافتراض أن بإمكان المعارضة بقدراتها التسليحية المتواضعة الحالية أن تنجح في تحرير مناطق واسعة وأن تحتفظ بها لفترة طويلة لا يتناسب مع الواقع، لأن القوات النظامية تتبع أسلوب الحرب المتنقلة لتحول دون إمكان إمساك الثوار بمنطقة ما طويلاً، أي أن الحكم يوجهها إلى حيث الوجود الأكبر لمقاتلي المعارضة لتشتيتهم ومنعهم من تثبيت أقدامهم، ولهذا يهدأ القتال في مدينة ليشتد في أخرى وفي شكل متتابع.
وبالطبع بات من الممل تكرار تعداد الأسباب التي تحدو بالأميركيين إلى اتخاذ هذا الموقف المتردد، ومنها الانتخابات الرئاسية، والخوف من وصول «متطرفين» إلى السلطة في دمشق، وإمكان وصول أسلحة كيماوية وجرثومية إلى أيديهم، والدروس المستخلصة من حربي أفغانستان والعراق.
ولعل هذه النقطة الأخيرة هي الذريعة الأساس في تلكؤ واشنطن وخوفها من التورط في حرب جديدة في ظل وضع اقتصادي متدهور، وتفضيلها أسلوب التعامل المتحفظ الحالي مع أزمات الشرق الأوسط، وخصوصاً أن غزو العراق بتكاليفه الهائلة لم يسفر سوى عن تعزيز نفوذ إيران في هذا البلد، فكيف ستكون النتيجة في دولة أكثر تعقيداً بكثير مثل سورية؟
تستند واشنطن في تبرير ترددها إلى الموقف الروسي المتصلب في مجلس الأمن والرغبة في عدم «كسر الجرة» مع موسكو، لكن، في التجربة الليبية مثال على إمكان مساعدة الشعب السوري من دون التورط المباشر. صحيح أن تحرك قوات حلف شمال الأطلسي في ليبيا جاء بعد قرار من مجلس الأمن، لكن الأكيد هو أن هذا التحرك لم يكن في حاجة لقرار، لا سيما أن شرق البلاد كان مهدداً بمجزرة فظيعة على أيدي قوات القذافي الزاحفة نحوه، وكان أي تدخل من أي دولة أتى لمنع هذا الاحتمال سيلقى تفهماً دولياً ولو من دون موافقة واضحة.
لقد نجحت قوات الأطلسي، وهي أميركية في معظمها وخصوصاً سلاحي الطيران والصواريخ، في إلغاء تفوق قوات النظام الليبي عبر الغارات الجوية والقصف الصاروخي، ومن دون إرسال جندي واحد إلى الأرض الليبية، فلماذا لا يمكن تكرار هذا التدخل «عن بعد» في الحالة السورية؟
إن استمرار المقاربة الأميركية الحالية للوضع في سورية يعني أن معارك الكر والفر قد تستمر طويلاً بسبب عدم قدرة أي طرف على حسم المعركة لمصلحته، ويعني أيضاً أنه بات على العرب أنفسهم عدم انتظار الأميركيين والمبادرة إلى التحرك من خارج الأطر المعهودة لإنقاذ الشعب السوري.
* نقلا عن "القدس" الفلسطينية
حسان حيدر
لا تنتظروا أميركا 1740