هناك العديد من العوامل المؤثرة على السياسة الأكاديمية وهي في تأثيرها تتباين من حيث قوة هذا التأثير كما أنها تختلف من حيث أهميتها وسنحاول من خلال هذه المقالة المتواضعة تحديد عدد من العوامل المعيقة للعملية التعليمية في الجامعات والمؤثرة تأثيراً بالغاً على السياسة الأكاديمية وذلك على النحو الأتي:
أ- القطبية السياسية:
بدا تأثير القطبية السياسية واضحاً على السياسة الأكاديمية بعد العام 1994م ليس ذلك فحسب، بل على سير العمل الإداري في مختلف أجهزة الدولة وهو بعد هذا التاريخ كان يشتد حينا ويخبو حينا آخر وفقاً للظروف السياسة التي تمر بها البلاد وما يهمنا في هذا المقال إبراز تأثير هذا العامل على السياسة الأكاديمية وسنحاول ذلك كالأتي:
1) سعى البعض من الأكاديميين خلال هذه الفترة ألي إنشاء كليات في أطار هذا الوضع السياسي مستغلا في ذلك نفوذه السياسي، فجاءت نشأة هذه الكليات مصبوغة بصبغة سياسية معينة مصدرها الفكر السياسي لمؤسسي هذه الكليات وهذا أمر معيب لا يتفق مع النطاق العام للسياسة الأكاديمية التي ينبغي أن تكون واضحة المعالم محددة المبادئ والأسس بالشكل الذي لا يجوز الخروج عن نطاقها أو مخالفة أسسها ومبادئها العامة من خلال محاولات فردية إن كانت من وجهة نظر أصحابها تحقق هدفاً علمياً، إلا أنها في حقيقية الأمر تؤثر تأثيراً سلبياً على السياسة الأكاديمية العامة للدولة.
2) حاول البعض اختيار الكفاءات الأكاديمية عند التعيين أو السماح لهم بالترقية وفق فكره السياسي مع ما في ذلك من تهميش وعزل لسائر الكفاءات الأخرى التي قد تكون لها أفكار سياسية أخرى مغايرة لفكرة السياسي بل وتطور هذا الأمر بعد ذلك إلى مضايقتهم في معيشتهم وهضم حقوقهم المادية والمعنوية والاعتماد على فئة معينة من الأكاديميين في إدارة هذه المؤسسات العلمية بما في ذلك من مخالفة صارخة لأهم الأسس والمبادئ الدستورية والقانونية العليا مثل مبدأ المساواة والمواطنة المتساوية وحرية الفكر والتعبير ويشتد الأمر سوء إذا تصورنا أن هذا الأمر يتم في مؤسسة أكاديمية مهمتها إخراج أجيال المستقبل وصقل أفكارهم وتنمية مواهبهم .
3) لم يقف الأمر عند مستوى الإضرار بحقوق أعضاء هيئة التدريس المادية والمعنوية ومحاولة المساس بحياتهم الوظيفية والمعيشية بل تجاوز البعض من القياديين ذلك إلى الإضرار بحقوق الطلاب ومحاولة عرقلة مسيرتهم التعليمية من خلال اختلاق الخلافات بين الزملاء من الطلاب وفبركة الأدلة القانونية وتحويلهم إلى التحقيق وتوقيع عقوبات عليهم هم في الأساس لا يستحقونها كل ذلك لمجرد أنهم يؤمنون بفكر سياسي مخالف .
4) الاعتماد على بعض الأشخاص في الإدارة الأكاديمية لمجرد أنهم مقربون من مصدر القرار في هذه المؤسسات الأكاديمية أو لكونهم ينتمون إلى تيار سياسي معين وتفضيل هذه المعايير اللاقانونية على المعايير العلمية والقانونية التي كان يجب الالتزام بها وقد أدى تطبيق هذا الأسلوب السيئ في اختيار القائمين على الإدارة الأكاديمية إلى تهميش الكثير من الكفاءات لمجرد انتمائها لتيار سياسي معارض مع ما في ذلك من مخالفة دستورية وقانونية صارخة وإهدار للكفاءات البشرية التي هي ربما أفضل بكثير من تلك التي تم الاعتماد عليها .
5) في ظل هذا الوضع الأكاديمي المتردي حاول البعض تكوين بعض التكتلات التي تؤمن بفكر سياسي معين وتعاني التهميش والضياع لمصالحها في المجال الإداري وخاصة في بعض المحافظات التي لا تميز مجتمعاتها الطابع القبلي فكان ذلك سببا في الاتجاه نحو تسييس الإدارة والابتعاد عن الأنظمة الأكاديمية والإدارية والقانونية المعتمدة عالمياً في إدارة المؤسسات الأكاديمية .
ب- التخلف الإداري: إن الوضع السالف وصفه والقائم على أساس خلق التكتلات ليس له شكل واحد بل أشكال متعددة وهو وان كان قد يأخذ الطابع السياسي وفق الوصف المحدد في الفقرة السابقة إلا انه ومع تطور الأوضاع الأكاديمية في اليمن وتوغلها نحو الفساد بدا يأخذ طابع آخر لا يمت للسياسة بشيء فهو اقرب إلي التخلف الذي يعتبر في تقديري مصدره الأساسي فبدا يظهر على شكل (الشلة) التي تراعى مصالحها بغض النظر عن أفكار أعضائها وتباينهم السياسي، فتقوم الشلة وتعتمد على المصلحة وهي شله مترابطة من القاعدة إلي القمة وفي جامعة تعز شلتان للفساد لا تراعي كل منهما إلا مصالح أعضائها ومن لا ينتمي إلى أين منها ويدافع عن حقوقه في إطار القانون ولا يكون انتمائه إلا للوطن وترابه بعيداً عن هذه الشلل وفسادها فلا يكون مصيره إلا التهميش والإقصاء وضياع حقوقه وإذا حدث وان ظهر اسمه في كشف من كشوف الحقوق وفق القانون سرعان ما يسارع حمران العيون إلى إسقاطه وعندما يسأل أين أسمي؟ تكون الإجابة وبكل سهولة ويسر (سقط سهوا) انه وضع إداري متخلف أقرب ما يكون إلى وضع الإدارة في أوروبا القرن الخامس عشر.
- ولا تقف صور التخلف الإداري عند هذا الشكل الكلاسيكي الذي تم توضيحه سلفاً والذي مرت به الإدارة الحديثة عبر تطورها التاريخي في دول عدة سبقتنا في التطور والحداثة، لكن إدارة جامعة تعز ومنذ أن كانت كلية التربية تابعة لجامعة صنعاء وهي تتفنن في أساليب التخلف يدفعها في ذلك الرغبة الشديدة في الثراء خارج نطاق القانون وبعيداً عن الالتزام بنصوصه ومن الصور التي يحكيها قياديون سابقون من أعضاء هيئة التدريس لهذه الإدارة انه تفاجأ يوما وهو المسئول بقيام احد الموظفين بدوره والتمثيل على الغير - مستغلين في ذلك جهل الغير بالمسئول المختص- والقيام بتمرير احد المعاملات الإدارية الرافض لها ولتنفذيها كونها تخالف القانون .
- ومن الصور التي تدخل ضمن مظاهر هذا العامل الخطير الاعتماد على مقاولين معينين في انجاز مهام كبيرة تتعلق بإنشاء البنية التحتية وتأثيث الجامعة مع ما يترتب على ذلك من تكون علاقات نفعية تبادلية بين هؤلاء والقيادات الأكاديمية المسئولة عن إدارة الجامعة.
ت- سيطرة الحزب الواحد:
لعب هذا العامل دوراً كبيراً ومؤثراً على السياسة الأكاديمية وهو وان كان لم يعد موجوداً في اليمن إلا أن بعض آثاره مازالت قائمة إلي اليوم كما انه كان مؤثراً على السياسة الأكاديمية في بعض الدول إلى وقت قريب وسنحاول إبراز بعض آثار هذا العامل كالأتي:
1- رفض ثقافة الأخر وعلومه طالما وهم في عداء معه.
2- الطابع السياسي والأمني المسيطر على السياسة الأكاديمية في المؤسسات الأكاديمية لدرجه لا نستطيع معها مجرد إبداء بعض الانتقادات الإدارية أو حتى اعتماد الأسس العلمية المعروفة في البحث العلمي عند كتابة البحث أو الرسالة أو إلقاء المحاضرة.وهي اّثار مازالت ظاهره بوضوح رغم انتقالنا إلي نظام سياسي يؤمن بالتعددية الحزبية وحرية الفكر.
3- تشجيع الباحثين على البحث في مواضيع معينة هدفها الأساسي خدمة النظام وأيدلوجيته ومحاربة أي أبحاث أكاديمية تتجه اتجاها معارضاً بما في ذلك من ابتعاد عن أهم أسس البحث العلمي المتمثل " بالبحث عن الحقيقة" وما يترتب عن هذا الابتعاد المقصود من إنتاج أبحاث علمية فارغة من محتواها العلمي لأنها كتبت من البداية لتحقق مصالح النظام على حساب تحقيق الأهداف العلمية المعروفة في مختلف جامعات العالم المعتمدة.
4- محاولة البعض الذي من المفترض أن يكون من الكفاءات المؤهلة والفاعلة في إطار النظام السياسي للحزب الواحد البحث عن فرص جديدة يستطيع من خلالها إعادة إنتاج نفسه بالشكل الذي يحقق له مستقبلاً يستطيع من خلاله الحصول على مصالحه وذلك إدراكا منه احتمال تغيير الأوضاع في ظل نظام ديمقراطي يحقق العدالة ويحترم الحقوق والحريات، فيفقد في ظله مصالحه التي كان يحصل عليها في ظل النظام السياسي الذي يسيطر عليه الحزب الواحد بما في ذلك من تعطيل لمسيرة الأجيال وإهدار الفرص والإمكانيات المتاحة للمجتمع في إعادة تأهيل هؤلاء.
× أستاذ القانون العام المساعد بكلية الحقوق - جامعة تعز.
د. ضياء العبسي
انهيار العملية التعليمية في الجامعات اليمنية 2314