(إذا الشمس كورت* وإذا النجوم انكدرت* وإذا الجبال سيرت* وإذا العشار عطلت* وإذا الوحوش حشرت* وإذا البحار سجرت* وإذا النفوس زوجت* وإذا الموءودة سئلت* بأي ذنب قتلت* وإذا الصحف نشرت* وإذا السماء كشطت* وإذا الجحيم سعرت* وإذا الجنة أزلفت* علمت نفس ما أحضرت).
هذا هو الإعلان النهائي والكبير، إعلان كبير هائل لأمر مهول عالمي.
انفجار عملاق مرعب، ظلمات وظلمات، يتحول فيه البحر إلى حريق ناري مسجر، والصم الرواسي إلى ذرات هوائية محمولة.
إنه إعلان عن انتهاء فترة الحرب الابتلائي بين الحق والباطل، إعلان عن انتهاء ظلم الظالمين ومكر الماكرين، إعلان عن سقوط التيجان, والعروش والقروش، إعلان عن انتهاء معاني المال والأعمال.
إنه اليوم العالمي: يوم جني، إنسي، طيري وحشي حيواني، ملائكي، رباني.
يوم عالمي: لسائر الأديان يقضى فيهم بالحق في أعلى محكمة، وأعدل محكمة، وأرحم محكمة، وآخر محكمة بلا استئناف، مدتها خمسون ألف سنة، النظر فيها لواحد والفصل لواحد والقول لواحد، والملك لواحد، يحاسب العوالم فيه بأدق التفاصيل الذرية، واحد أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد.
إنه يوم عالمي: تجتمع فيه الزعامات والحكام بعد انتهاء مدة حكمهم الانتقالية، فهم اليوم محكومون موقوفون مسئولون.
إنه يوم عالمي: تسلم فيه العهد والأمانات وتورد إلى الخزانة العامة فتتضح بهذا التوريد كافة الخيانات، والاختلاسات.
يوم عالمي: تنتهي فيه جميع القيم الأرضية الجاهلية، فلا حاكم ولا محكوم ولا لبس ولا لباس، ولا أحذية ولا نعال، ولا شبهات ولا شهوات، (يحشر الناس حفاة عراة غرلاً).
يوم الوقوف العالمي: لا يجلس أحد فالكل واقف، إلا الأنبياء والمتحابون في الله –المتباذلون فيه.
يوم الشمس: الناس جميعاً أمام منصة الحكم، والعرض في الشمس المتقدة، لا يستظل أحد إلا من أظلته صدقته، أو كان من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.
يوم العطش العالمي: الجمهور ظامئ وتكاد تحترق من شد ظمئه الأكباد، وتتشقق الحلوق، فيا سعد من شرب من حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم شربة هنية لا يظمأ بعدها أبداً وما أقل ثمنها، وما أبخلنا في دفعه الآن مقدماً، وهو ليس بدينار ولا درهم بل الثمن اتباع السنة.
إنه يوم الأنانية العالمي: شعار الجميع فيه "نفسي نفسي"، إلا محمد صلى الله عليه وسلم فيقول أمتي أمتي فلك الحمد أنك جعلتنا من أمته.
إنه يوم مشهود: فيه خوف وقلق ووجل، ويقول الأنبياء: اللهم سلم سلم.
لا كلام.. الكل ساكت صامت، لا تكلم نفس إلا بإذنه.
يوم النطق بالحكم النهائي: بلا ضمانات، أو كفالات توقف التنفيذ، لا وساطة ولا شفاعة إلا من رضي له الرحمن، ولا يشفعون إلا لمن ارتضى من الشهداء والصالحين والأنبياء والرسل.
يوم القطيعة العالمي: تنقطع فيه كل أواصر القربى، ومعاني الأسرية والنسب، بل يلوذ بالفرار بعضهم من بعض (يوم يفر المرء من أخيه* وأمه وأبيه* وصاحبته وبنيه).
يوم الفقر العالمي: الكل فقير لا يملك ديناراً ولا درهماً، فقد وردت العهد المالية إلى الخزينة العامة، وأصبح الملياردير لا يملك القطمير.
يوم الإفلاس: المفلس فيه من ضرب هذا وأخذ مال هذا وظلم هذا فيقضيهم بتعويضات ليست ذهباً ولا فضة، لأنها أغلى منها وأجدى وأنفع، إنها الحسنات، يقول صاحب المال (ما أغنى عني ماليه) ويقول صاحب السلطان ما أغنى عني سلطانية، ويقول الله (خذوه فغلوه).
يوم تغيير العملة: فلا عقار ولا دار.. لا زرع ولا ضرع.. لا دينار ولا دراهم.. لا عملات سهلة ولا صعبة.
كل هذه لا قيمة لها، إن القيمة اليوم غير هذه، إن الملياردير من جاء بالعمل الصالح كرصيد له غطاء وتأمين في بنك الرحمن بنك وحيد، غير معترف بغيره فمن كان يضع رصيده في بنوك غيرها فكله مال ضائع، يقول الله لهم اذهبوا إلى الذي كنتم تراؤنهم وتعملون لهم.. فهل تجدون عندهم شيئاً؟
يوم البطاقة العالمي: بطاقة التأمين التي ليست للعمر.. بل للأبد، إنها بطاقة التوحيد (لا إله إلا الله محمد رسول الله).
يوم يحمل فيه المجاهدون، والمتقون الجواز الدبلوماسي بالمرور من كل نقاط التفتيش المذهلة.
يوم النور والظلمة: فالمتوضئون لهم أنوار تجري بأيديهم وبأيمانهم، قراء سورة الكهف كل جمعة لهم نور إلى عنان السماء، وهو ظلمة حالكة على غيرهم.
يوم المسئولية: إن المسئولين في الدنيا هم المسئولون يوم القيامة.. فيا ويل من نوقش الحساب وكثر معه التحقيق والتدقيق.
يوم اللعن لزعماء السوء من أتباع السوء: (ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيل* ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا).
يوم التغابن: لأن فيه يندم الناس على ما غبنوا أنفسهم وضيعوها.
يوم قراءة التقرير النهائي: "هاؤم اقرأوا كتابية"، يقرأ كل واحد بنفسه.
إنه يوم الحساب الذري الختامي: نعم إنه حساب ذري وحساب ختامي (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره* ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره).
إنه يوم السهر العالمي: لا نوم فيه لأحد (فإذا هم بالساهرة).
إنه يوم قريب: (إنهم يرونه بعيداً* ونراه قريبا).
إنه يوم الحرية العالمي: يتحرر فيه الجميع من عبادة أي شيء إلا الله ومن تعبيد بعضهم لبعض.
إنه يوم الحشر: يحشر الأنبياء إمامهم محمد صلى الله عليه وسلم والعلماء يقدمهم معاذ بن جبل، ويحشر الطغاة وإمامهم فرعون، (يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار وبئس الورد المورود).
يومٌ آخره جنة أو نار..وقيل الحمد لله رب العالمين..
* أستاذ المقاصد ـ عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
المستشار د.فضل مراد
الإعلان الكبير للحساب الختامي 2545