ما أجمل تلك اللحظات التي ينفرد بها كل حبيب بحبيبه، يبثه شكواه وتتلاقى فيه الأحاسيس بالعبرات وتذوب العاطفة الجياشة في أحضان الآهات تنطوي ساعات اللقاء عذبة رقراقة كحلم جميل، فلا تسلني عمن يكون خليلي، ولا عمن يكون أنيسي، إنه زاد روحي إن قلة مؤنة الطريق, وهو أنيس قلبي يوم زهد عني الخلان , وهو ضياء دربي في ظلمات الزمان .
ناجيته يوماً: يفارق العشاق أحبابهم، لكن عشقي لك في ازدياد!! وتنتهي أواصر المحبة بالجفاء، لكن حبل حبي قوي ومتين، فأنت حبي وسر سعادتي, وأنت واحتي في صحراء شقائي وأنت النور الذي ملأ أركان حياتي، فقربي منك نعيم لا يزول وبعدي عنك نار تلسع ساعاتي، إن رحلت عن ديارك برهة أضناني الأسى والحنين ودقائق الفراق كالسنين!!.
ولئن سألتني من هو هذا الحبيب؟ فيكفيني شرفاً وفخراً وتيهـــاً أن أقول: إنه "القرآن الكريم"، فهو المحبوب الذي تتعلق به قلوب العارفين وتنعم به ساعات المحبين , من أعطاه كل حب فلن يفيه حقه لأنه كلام رب العالمين وأتساءل أأحب القرآن من هجر تلاوته؟ أم هل أسعد القرآن حامليه وهم في ظلمات الهوى متخبطين ؟ أيرفع كلام الله أناساً في الدونية يعيشون؟، ولاسيما ونحن في شهر التغيير شهر رمضان الذي يتغير فيه الكون والنظام تتصافى فيه القلوب وتنطلق فيه المشاعر لملايين الأجساد سجود واحد وعبادة واحدة وخضوع واحد لرب واحد ما أروع أن تتغير سحاتنا من ضيق حظوظ النفس إلى سعة الوحدة والتلاحم ومن كدر الخلاف إلى ضياء الفضيلة والوئام.
فيا عجباً ممن حمل القرآن حفظاً وترتيلاً وتلهو عنه بحب شهوة عابرة من مال ووجه وسيم، ويا تعساً لمن يعيش الساعات مع كلام ربه، لكن قلبه يلهث راحلاً إلى نزوة عابرة دنيئة .
ويستبدل الحبيب الفعلي بالحبيب المزيف!!، فيا قومنا ويا أهل القرآن ورمضان أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير وأرقى؟ وليكن لنا عبرة وعظة من ذلك المحب الولهان العاشق لصفحات المصحف الشريف وهو الصحابي الجليل عثمان بن عفان الذي جعل القرآن أنيسه وخليله فكانت الزوجة الطاهرة تقول له وملؤها الأسى على فراقه لها بسبب القرآن (أشفق على نفسك ما أكثر ما تقرأ القرآن ؟)، وكان يقول دائما ًمعلماً الذين تتعلق قلوبهم بأخدان وخلان (لو سلمت قلوبكم ما شبعتم من كلام الله).
حتى عند موته لم يمت إلا وآيات القرآن بين سحره ونحره وفي حضنه لتسجل حادثة استشهاده أروع قصة حب للقرآن عرفها التاريخ.. ويا تعساً لمن يتغير الكون من حوله وهو في ظلمات التخبط يعيش.
أمين الحاشدي
ساعات بين يدي المحبوب 2193