(1)
بات دخول الشهر الكريم وشيكاً ، اقتربت أيامه كثيراً ، ودنت لياليه بشدة ، تتنسم أرواحنا عبيره ، وتترقب أرواحنا روحانيته اللا متناهية بشغفٍ بالغ ، الجميع يستعد ، وإن تفاوت نوع هذا الاستعداد من شخص لآخر ، المهم (الاستعداد) .. فالضيف القادم يحتم على الجميع الاستعداد والتجهز ، فالمناسبة كبيرة ، والضيف أكبر.
لكن ، يدخل رمضان هذا العام إلى اليمن في جوٍ مختلف عن بقية الدول ، باستثناء بعض الدول التي تشاطر اليمن نفس جو الاختلاف ، مثل (مصر وتونس وليبيا) ، فهذا هو رمضان الأول الذي يأتي وقد تمكنت الشعوب من فك (عُقدة) الرؤساء و(طلاسم) الزعماء و(شخابيط) الحكام على اختلاف مسمياتهم.
رمضان يأتي واليمن بلا (صالح) ، وهو الذي لم يترك شيئاً صالحاً طوال فترة صلاحيته ، فقد أنهى صلاحياتنا ، وجعل شعبه عبارة عن (كوكتيل) مخيف ومفزع من الجوع والفقر والتسول والهجرة والاغتراب ، مع إضافة بعض (بهارات) الإرهاب والقاعدة وأنصار الشريعة ، ثم استأثر وحده بخيرات البلد المتنوعة ، وتناولها بالهناء والشفاء .. وبقينا نحن (مقعيين) ، نستجدي الأشقاء والأصدقاء فتات خبز ، وبقايا دقيق ، وعبوات غاز ، وقليل من (صليط) الفوانيس و(بترول) المولدات الكهربائية لمن استطاع ، بجانب قليل من الزيت والحليب وما يسد الرمق من (فتات) الآخرين و(فضلات) موائدهم الدسمة دسومة موائد صالح نفسه.
(2)
بعيداًَ عن 33 موسم رمضاني بنكهة (صالح) الذي جعلنا بلا نكهة ولا لون ولا رائحة ، والذي أفقدنا كل خصائصنا الفيزيائية والكيميائية .. يأتي رمضان هذا الموسم بنكهة (هادي)، والذي حتى الآن – وللأسف – لم يهتدِ (تماماً) إلى سواء السبيل الذي ناضل من أجله من قدموا أرواحهم ودماءهم رخيصة في سبيل تحرير هذا الوطن من القبضة (العائلية) المحكمة على كل أجهزة الجيش والدولة ، ونحن هنا نقدِّر (السياسة) التي يلقي لها هادي كل البال في التعامل مع العائلة ، ونعرف حجم (الوجع) الذي يشاطر به الطبيب مريضه عند استئصاله لورم (خبيث) من جسده ، لكننا انتظرنا طويلاً ، بحثنا عن أعذار واستنفذناها عذراً تلو الآخر ، فتشنا في كل الأدراج والمكاتب وحتى الأزقة و(الزغاطيط) عن أعذار جديدة فلم نجد ، فماذا بقي لهادي حتى يُظهر لنا جوهر (التغيير) الذي (غمَّسنا) أصابعنا وبصمنا له من أجله ، هل رحيل (صالح) من فوق الكرسي هو مطلب الثورة والثوار ، هل كانت مشكلتنا مع القصر أو مع (الكرسي) نفسه ، أم مع نظام (أدمن) إفقارنا وإسكاتنا ، و(تعاطى) حبوب إذلالنا وإفساد كل شيء جميل فينا بنهم شديد ، نظام كان (يسكر) ويستمتع عندما يرى كرامتنا (تمسح) بلاط السفارات بحثاً عن هروب من هذا الوطن ، ويشعر بأنه يحتسي (جرَّة) من (عسل) عندما كنا نذوق المر و(العلقم) ونحن نستجدي الكفيل بتجديد إقامتنا ، نفسي بجواب يا هادي كما هي نفس (صالح) بالعودة إلى (حالي الأيام) التي ناضلنا من أجل أن لا تعود ، فقد كانت أيامه (الحالية) هي (أمرَّ) أيامنا ، وكانت أيامه (البيضاء) هي أشد أيامنا ظلاماً و(اسوداداً) ..
(3)
الكل يعلم ويعرف ويفهم أن من خصائص هذا الشهر الكريم أن الشياطين تُصفد وتُقيد فيه ، فلا تقوى على الحراك ، ولا تستطيع أن تمارس (وساوسها) الإبليسية على خلق الله ، فلماذا لا تُصفد فيه شياطين اليمن التي عاثت فيه الفساد ، والتي (أفزعت) إبليس نفسه من وساوسها ، حتى بات لا يداوم في (اليمن) كما يداوم في بقية المناطق ، فهناك معلمين وأساتذة (جدعان) في اليمن يفوقونه خبثاً وأبلسة ومكراً وخديعة ، فأصبح يشعر ب(التقزم) أمام (عملقتهم) ، وب(الانكماش) أمام (تمددهم) وانتشارهم المخيف ، وأصبحوا يغلبون حتى إبليس نفسه ، و(يمشُّوا) كلمتهم على كلامه حتى أصبحت أغنيته المفضلة (علمته الرماية كل يوم .. فلما اشتد ساعده رماني) ، غير أن رميتهم له كانت رمية (وفاق) و(اتفاق) و(تنافس) على تحقيق أكثر الأهداف ، رمية لشد العزيمة في الإفساد .. وكلاً من جهته يُفسد!.
لا أدري ما هو سر المقارنة التي تخطر ببالي الآن بين (إبليس) وبين شياطين اليمن ، أو أحدهم بالتحديد ، فذاك قال لرب العالمين (فبعزتك لأغوينهم أجمعين) بعد أن أخرجه الله من الجنة ، وشيطان اليمن الذي أخرجته الثورة من (جنة) السلطة و(خلد) الحكم وإن لم يقل نفس مقولة إبليس بلسان المقال ، فإنه يقولها باستمرار بلسان الحال ، فالعمليات المتكررة (سواء التفجيرات الإرهابية أو قطع الكهرباء وغيرها) والتي لا تهدف سوى إقلاق السكينة العامة، وإفشال الحكومة والدولة ، وبعث التذمر في صفوف الشعب ، طمعاً في عودة حقبة (شيطانية) سابقة قدمنا في سبيل الخلاص منها أرواحاً نقية مخلصة لا يقل نقاؤها عن نقاء (الملائكة) ، لكن أنى له ذلك ، فالجنين لا يعود إلى بطن أمه بعد أن يغادرها ويرى نور الحياة.
(4)
لنتعبد الله في هذا الشهر الكريم ، فقد رحلت (الأصنام) المتألهة ، وقد ولى عهد (الاستعباد) و(الاستبداد) ، وقد انطوت صفحة (الفرعنة) بمجيء طوفان الشعب الذي أصبح كل فرد فيه يمثل مشروع (موسى) ، وبذلك أخذ ذلك الطوفان كل ما كان يثير حنقنا وغيضنا ، حتى وإن تبقت (بواقي) من الأبالسة الصغار ، فإننا نعول على هادي بعمل اللازم معها ، ونعول أيضاً على شهر رمضان في تصفيدها وإزالتها من حياتنا التي ستصبح أحلى بدونهم .. وشهركم مبارك أعزائي .
طارق فؤاد البنا
رمضان لتصفيد الشياطين! 1866