تواجه النحل صعابا كثيرة يشبه بعضها المشاكل العويصة التي تواجه البشر، وبعضها في مكافحة الفساد على وجه الخصوص وهو ما سنتناوله في هذه المقالة، إذ يحدث أحيانا أن يدخل فأر إلى خلية النحل، والفأر حيوان خبيث، مفسد في الأرض، وهو أحد الفواسق الخمس التي تقتل في الحل والحرم، وهو يأخذ النار ويحرق الدار على أهلها، ومن فعله في نفاقه في جحره حيث يحفر له بابان أخذ اسم النفاق، ولكل هذا الفساد الكبير فإن النحل تخاف المخاطر التي قد يسببها دخول الفأر إلى الخلية، والخلية نموذج الدولة المثالية والمجتمع المثالي، حينها تواجه النحل ذلك من خلال العزل الكلي للفأر إذ تشمعه وتغلفه بالشمع فيموت بداخله، ولا يتعفن فيؤذي وتحكم عليه بالموت البطيء، وبدون ضجيج أو شوشرة يتم ذلك كله.
ومتطلبات ذلك العزل المميت تتحدد من خلال: وحدة الصف والهدف، والالتزام بشرعية القيادة المنتخبة، وتوحيد الجهود، وسرعة العزل للفأر من التوغل داخل الخلية، وخطة طوارئ محكمة لمواجهة الأزمات ومكافحتها، وجنود مجهولون يواجهون الخطر باستبسال كبير، وفداء منقطع النظير.
إن علينا الاستفادة من هذه النقاط كلها ويضاف إلى ذلك خبرات عالم البشر:
إن وحدة الصف والهدف هو القانون الحياتي المستفاد من كل شيء في الحياة يسير بطريقة صحيحة، ويحقق نجاحاته بطريقة سليمة، توحد الخيرين لمنع الفساد ضرورة لنجاحهم في تحقيق ذلك، إن الخيرين كثيرون، ولكن تفرقهم هو الذي يفقدهم القدرة على تحقيق النجاح، فالوحدة خلف هدف واحد يورث النجاح وحدة الصف هو المطلب الأساسي في المواجهة، وهو أمر أدركه فرعون لعنه الله حين قال لسحرته، {وأتوا صفاً} إن الصف الواحد ضرورة وجود وبدونه تتفرق الكلمة وتصبح الكثرة عبئا أكثر منه نفعا، إن الشرفاء وأصحاب الأيادي النظيفة وأصحاب الذمم الشريفة أكثر عددا من الأوغاد ومن السرق والمفسدين، فلماذا يتفوق أهل الشر وأصحاب الذمم الفاسدة والأيادي الملطخة، لأن أهل الخير متفرقون، ويخافون من المواجهة مع الباطل، لأن أهل الشر يوهمونا بقوتهم وهم أقل وأحقر ولك أن تقارن بين حجم الفأر وحجم النحلة، بين ضعف مادة الشمع وقدرة الفأر في الحفر والسرعة وبأسه في الفساد.
إن الرئيس المنتخب القائد الأعلى للقوات المسلحة فخامة الأخ المشير عبد ربه منصور هادي، يستعين بأهل الكفاءات في الداخل والخارج لإنعاش اقتصاد اليمن، وفي مقدمة من استعان بهم رائد النهضة الماليزية الدكتور مهاتير يمكن أهل الكفاءات لتقديم مشوراتهم، ويعترف بالناجحين بعد أن عاش الوطن زمن التيه، حيث كان لدينا فرد يتحدث في كل شيء ويفتي في كل شيء ويدعي علما بكل شيء ويخطب في كل شيء.
واليوم تعيش اليمن زمن رجل متعلم وقائد خريج من الكليات العسكرية المتخصصة، وحاصل على المؤهلات الرفيعة من أكاديميات عسكرية عليا، قائد لا يعشق المكرفون والكاميرا، ولكن يعشق اليمن وأهلها، فلنتكاتف بقضنا وقضيضنا معه، ولنتف حوله بجمعنا وجموعنا.
كل اليمن معك أيها الرئيس المنتخب فانتخابك لم يشهد شهادة زور، ولم تنفق فيه أموال الرشاوى، ولم تدبج فيه خطابات الكذب، ولا أحاديث الزور والبهتان، انتخبك الشعب طواعية، محبة في الوطن فبحق أبرز شجاعتك وحكمتك أكثر من الشرفاء في قرارات التعيين، وسع مساحات النور في أروقة الوزارات، أشعل الأنوار داخل المحافظات بقرارات تعيد الحق لأهله والكفاءات تتقدم لتخدم اليمن فاليمن ولادة.
إن الرئيس المنتخب فخامة المشير الركن هادي يسير على الطريق الصحيح لإنقاذ الوطن من الضعف الاقتصادي الذي وصل إليه اليمن الميمون نتاج فساد وإفساد دام ثلاثا وثلاثين سنة كانت آلة الفساد تنتهك منظومة القيم حتى أفسدت الجهاز الإداري كله، فلا تمشي معاملة إلا برشوة، ولا يصل ذي حق إلى حقه إلا بدفع الإتاوات لهذا وذاك، ودمر الجهاز القضائي من خلال إلحاقه بالسلطة التنفيذية وبرأس الفساد شخصيا، وتم تدمير القضاء بصورة ممنهجة أفضت إلى أن فقد المواطن الثقة في القضاء، وشكه في نزاهة القضاة، فلجأ الناس إلى الثأر وإلى أخذ حقوقهم من بعض بأيديهم في حق وباطل، وتم توزيع المؤسسة العسكرية والأمنية على الأبناء والأصهار وغاب أهل الكفاءة، ونحي أصحاب القدرات، وتولى التحوت على رأس الرجال الأكفاء، وهمشت وحدات الجيش لصالح وحدات معينة فأحدث ذلك شروخا كبيرة داخل أهم مؤسسة وطنية في اليمن، المؤسسة الوحدوية عبر تاريخ اليمن المجيد.
وأصبحت الرتب العسكرية توزع هدايا خبط عشواء ولشراء الذمم ويحرم منها المستحقون، والمناصب العسكرية بحسب الولاء الشخصي واستبعد الوطنيون الغيورون، وتم تدمير التعليم حتى فقد التعليم معناه في جوانب المهارات الأدائية، والقدرات النفسية، والأخلاقيات السلوكية، وأصحبت الشهادة لا تعني الكثير، وأصبح الغش في الامتحانات وباء وبلاء أفسد الحياة التعليمية وتم إقصاء كل من لا يعجب الحزب الحاكم على كل المستويات حتى مدير المدرسة أو المدرس داخل الصف واستفرد الحزب الحاكم باليمن يفسد فيها كما يحب وزعيمه التاريخي، في أكبر عملية اقصاء لم يشهدها اليمن في تاريخه المقروء منذ آلاف السنين.
هذا الفساد أثر على الاقتصاد وعلى وضعنا السياسي ومكانة اليمن بين الدول، فعندما جاء النظام البائد إلى السلطة كان الدولار بأربعة ريالات في عهد الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي، وعندما غادر النظام البائد السلطة كان الدولار يتجاوز المئتين والأربعين ريالا، هذا والدولار في السبعينات كانت قوته الاقتصادية توازي خمسة دولارات هذه الأيام، ولك أن تسأل هل يستطيع أحد أن يتزوج من مرتبه، أن يعمر بيتا من مرتبه، أن يعيش حياة كريمة من مرتبه، لا يستطيع أحد فالمرتب أصبح مجرد أوراق نقدية لا قيمة شرائية لها، بفضل التنمية في العهد البائد، فأعاشنا في الفقر، برغم أن قوة عملتنا الوطنية في عهد إبراهيم رحمه الله لم يكن لدينا حينها نفط ولا هذا الساحل الطويل ولا هذه القدرات المتوافرة لكن إبراهيم لم يكن يسرق، كان يحب الوطن ويسلم الهدايا التي تقدم له إلى البنك ويقول: لو لم أكن رئيسا لليمن لما أهدى إلي أحد شيئا، وكان يحب المواطن اليمني بحجم الكون كله، ودفع حياته ثمن حبه لليمن.
إن مواجهة الفساد تحتاج إلى وحدة الصف والهدف؛ لأن الوحدة في الموقف والأفعال وتنفيذ الخطة الوطنية بصورة جماعية موحدة هي التي توصل الأوطان إلى بر الأمان، وهي التي تقضي على الفساد والإفساد، وهي التي تجعل لكثرة الخيرين قيمة ولا جدوى حقيقية لوفرة الشرفاء وكثرتهم إلا إذا تكاتفوا وجعلوا أيديهم في أيدي بعض على القواسم المشتركة، وأهمها حب اليمن.
إن زمن الفعل الحقيقي في مكافحة الفساد هو العمل على الأرض، والفعل المتواصل، والجهد الدؤوب، والكفاح المستمر والنضال السلمي المتواصل، فالشر لا ينام فكيف ينام عنه الأحرار والحرائر، وأهل الشر قوم لئام هدفهم تخريب اليمن وإيقاف عجلة التغيير.
علينا جميعا أن نبحث عن الخيرين وأن نقول لهم لقد آن الأوان أن نعبر عن حبنا للوطن وولائنا لليمن بالأعمال بتوحد الجهود ورص الصفوف، ليست اليمن مائدة تختطف خيراتها أيادي الفاسدين، ولا هي أرض مباحة تعبث فيها جماعات العنف المسلح، ولاهي مسرح يقوم فيه المشبوهون التابعون لإيران أو لغيرها بقتل المواطنين وتشريد الآمنين، ولا هي بقرة حلوب يمتص لبنها اللصوص والسرق.
أن النحل هن حشرات طائرة، تحافظ على الخلية فكيف لا يحافظ الرجال الأحرار والمواطنون الشرفاء والجنود الأوفياء والضباط الأكفاء على الوطن، سيحافظون عليه جميعا بتماسكهم وتراصهم خلف قيادة المشير الركن عبد ربه منصور هادي، لبناء اليمن الذي عاني من التخريب الممنهج، والتدمير المقصود، والتشويه عن قصد على مدى ثلث قرن من الزمان، لقد آن الأوان أن نثبت حبنا لليمن ولنا من النحل حكمة ومن اجتهادها في حفظ الخلية ومكافحة الفساد درس بليغ.
د. محمد عبدالله الحاوري
الدرس المستفاد من حكمة النحل في مكافحة الفساد 2470