سألني أحد الأصدقاء وهو ممن لا يهتم بالسياسة والأخبار قائلاً: ما هي هذه الحصانة التي منحها الشعب لعلي عبدالله صالح؟ فأجبته بأن الشعب لم يمنح الحصانة لأي شخص وإنما منحته إياها أحزاب اللقاء المشترك وشركاؤهم وأعضاء مجلس النواب وتنص بعدم ملاحقة علي صالح وأفراد أسرته ومن عمل معه خلال الفترة الماضية قضائياً عن الجرائم التي ارتكبت خلال فترة حكمة, فعلق صديقي على ذلك ضاحكاً بالقول: والله إن هذه الخاصة تشبه ما كان يسميه الآباء ونحن أطفال بـ[حرز بن علوان] وهو عبارة عن ورقة يكتبها أحد المشعوذين وتقوم الأم بتغليفها ووضعها على ملابس الطفل وعندما تسألها عن سر هذه الورقة تقول لك انه حرز ويقي الطفل من العين والسحر والأذى وأي مكروه آخر.. واستطرد قائلاً: والله يا أخي إنكم يا معارضة ويا سياسيون ومثقفون وقيادات أحزاب وعلماء دين وقيادات جيش ومعتصمون مثل جدتي المؤمنة بأهمية حرز بن علوان, والفرق بينكم وجدتي أنها جاهلة ولم تتعلم وعاشت في زمن الجهل والفقر والمرض , وانتم تحملون شهادات عليا وتعيشون اليوم في زمن العلم والمعرفة والعلوم والتقنية الحديثة , حتى وان كانت قيادات الأحزاب تبحث عن مصالح من خلال التوقيع على هذه الحصانة للمشاركة في الحكم، فإننا لم نجد أياً من العلماء تحدث عن رأي الدين الإسلامي بمثل هذه الحصانة التي منحها أفراد لآخرين ودعوا الشعب للتنازل عن حقوقهم وتجاهلوا شرع الله.
فعلاً لقد استطاعت بعض القوى الإقليمية التي لا تحبذ شيئاً اسمه [ثورة] ومن يرون أنفسهم أوصياء على اليمن من خلال تلك الفتات التي يقدمونها لأذنابهم في الداخل , لقد استطاعوا إجهاض ثورة الشباب السلمية في اليمن , وذلك من خلال تلك القيادات الكرتونية المتحنطة في مختلف الأحزاب والقوى المدنية والسياسية والقبلية والتي هرولت إلى التوقيع على المبادرة الخليجية بعد أن رفضها رأس النظام السابق وتم تعديلها أكثر من مرة بما يتوافق مع خططه ورغباته , لتأتي إلينا بحصانة بن علوان التي قصمت ثورة الشباب وأخلت الساحات وصارت صك غفران للقتلة والمجرمين ورموز الفساد الذين نهبوا ثروات وخيرات الوطن خلال ثلاثة عقود من الزمن , وفي مسرحية هزلية يظهر إلينا السيد باسندوه في مجلس النواب وهو يذرف بالدموع مناشدا أعضاء المجلس بسرعة التصويت على قانون الحصانة الذي منحه الثوار لمن ثاروا ضدهم , وهو - أي باسندوه- رئيس لجنة حميد الأحمر التحضيرية للحوار الوطني.
لا تختلف هذه المسرحية كثيراً عن تلك المسرحية الهزلية التي كشفها المرحوم الشيخ/ عبدالله بن حسين الأحمر - رئيس حزب التجمع اليمني للإصلاح المعارض حينها- وهو يعلن من على فراش المرض في جدة أن مرشحه للانتخابات الرئاسية لعام 2006م هو مرشح المؤتمر الشعبي العام/ علي عبدالله صالح, لقد عمل هؤلاء على استغفال الشعب خلال السنوات الماضية رغم أننا ندرك جميعاً أنه لا توجد ومنذ أن خلق الله الأرض وحتى قيام الساعة ثورة شعب يمنح فيها الثوار الحصانة المطلقة لمن ثاروا عليه، ليس هذا فحسب بل ولكل من عمل معه خلال الفترة الماضية , الأمر الذي يكشف عن مفاوضات كانت تتم خلال العام الماضي حول تبادل الأدوار وتقاسم السلطة والثروة وإجهاض ثورة الشباب وقتل أحلامهم بسيناريو مفضوح على حساب تلك الدماء الزكية الطاهرة التي سالت في كل محافظات الجمهورية سواء من أفراد الجيش أو المواطنين الأبرياء , ولا يمكن المجنون أن يصدق أن أبطال ثورة السادس والعشرين من سبتمبر والـ 14 من أكتوبر كانوا أكثر ذكاء وفطنة من ثوار 2011م, وما يمكن أن يصدقه العاقل بالفعل أن أبطال ثورتي سبتمبر وأكتوبر كانوا كثر وطنية من ثوار 2011م، لأن ثوار عصر الجهل والفقر والمرض كانوا أكثر مسؤولية من ثوار الانترنت وتقنية المعلومات والفيسبوك وغيرها، لأن أبطال سبتمبر وأكتوبر لم يمنحوا الإمام ومن عمل معه أي حصانة ولم يشاركوه في حكومة وفاق أو رئيس توافقي, فإما ثورة وتضحية لتعيش حراً وتحافظ على خيرات ومكتسبات وطنك وأما جبان لترضى بحياة الذل والمهانة والفساد والمحسوبية.. [إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم].
عبدالوارث ألنجري
حصانة بن علوان 2402