تفاقمت بشكل خطير خلال الفترة الأخيرة مشكلة أطفال الشوارع في كثير من البلدان العربية ومنها اليمن والتي تعد من أواخر الدول النامية وأفقرها وأكثر دول الشرق تدهوراً وقد احتلت بلادنا المرتبة الـ148 بين 174 في جدول التنمية الإنسانية وقد سارعت بعض المؤسسات المدنية للحد من تلك الظاهرة، إلا أن عدد هذه المؤسسات التي تعنى في قضاياهم في بلادنا لا يتعدى 3 إلى 5 من بين 6000 ألف مؤسسة عاملة في اليمن لما ينتج عنها من مشاكل كثيرة تساهم في حرمان شريحة كبيرة من هؤلاء الأطفال في إشباع حاجاتهم النفسية والاجتماعية.
وقد أثبتت الإحصائيات أن حوالي 35000 ألف طفل في الشارع في اليمن 60% يعملون وينامون في الشوارع وأن 40% يعملون في الشوارع وينامون في مساكن مؤقتة، وهذا حسب إحصائية شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين).
إذ تشير تقديرات منظمة الصحة العالمية (اليونيسيف) في دراسة مقدمة لها بأن أطفال الشوارع في مدينة صنعاء وحدها حوالي 29789 طفلاً وطفلة مشردين، يتوزعون 70% ذكورو30% إناث وتختلف الأعداد من منظمة لأخرى ومن دراسة إلى بحث آخر نظراً لعدم وجود بيانات رسمية دقيقة الإحصاء لعدد أولئك الأطفال وتحديد أوضاعهم.
ويقسم أطفال الشوارع إلى أربع فئات.. تبدأ بفئة مطاريد البيوت، ثم فئة مطاريد الأحداث وفئة مطاريد دوّر الأيتام بعد وصولهم سن الـ18 سنة وفقاً للوائح الداخلية لتلك الدور، إما الفئة الأخيرة وهي التي ضلت الطريق في الأسواق والأماكن العامة.
وبينت دراسة أعدها الدكتور/ عبدالرحمن عبدالوهاب - أخصائي نفسي في جامعة عدن- عن ملتقى المرأة للدراسات والتدريب أن 94,5% يتعاطون المكيفات ويتوزعون كالآتي: 53,8% في السجائر و24,6% في تعاطي القات و13,5% في تعاطي الشمة و4,6% في تناول التنبل.. فالفئة العمرية لأطفال الشوارع تتراوح بين (9-14).
وتوصلت الدراسة إلى أن نسبة الأمية بين أطفال الشوارع مرتفعة، فهي بنسبة 47,1%بين الآباء..والذين لا يعرفون أسرهم تصل نسبتهم إلى 8,6% وتوضح الدراسة أن نسبة 28,65 يعيشون في الشوارع .. ونسبة 23,6%يقيمون مع أناس آخرين غير أسرهم.
وعلي الرغم من عدم وجود فروق حقيقية في نشأة أطفال الشوارع من منظور الجنس، حيث الأسرة المفككة والبيئة العشوائية المتهالكة والظروف الاقتصادية الصعبة التي تدفعهم للخروج إلى الشارع.. وفي هذه الأيام يتوسع انتشارها بشكل مثير للجدل ..في تصوري الخاص أن هذا التوسع عائد إلى الهجرة من القرية إلى المدينة ..وكذالك انتشار الفقر والبطالة ..وكثرة الإنجاب ..وانعدام الخدمات الاجتماعية ..والسبب الرئيس هو تخلي الدولة عن دعم الفقراء.
فظاهرة أطفال الشوارع تتمثل غالبيتها من الذكور، على اعتبار أن العادات والتقاليد التي ما زالت راسخة في كثير من الأسر في مجتمعنا اليمني تمنع خروج الفتاه وان هروبها إلى الشارع يمس شرف الأسرة وكرمتها إلى أن الظروف الأسرية السيئة نتيجة الطلاق أو الهجر والعيش مع زوج الأم أو زوجة الأب والفقر والأمية والانحطاط الأخلاقي وغياب الوعي الديني للوالدين كثيراً هذا ما يدفع الفتاة إلى الهروب وخروجها إلى الشارع حيث تتعرض لكافة أشكال الاستغلال المادي والجنسي والبدني وتعاني من سوء ألمعامله والحرمان النفسي ..ومن أجل توفير لقمة العيش تمارس مجموعة من الأعمال غير الرسمية مثل الخدمة في المنازل، والتسول، وبيع السلع التافهة، والعمل في المحال العامة وممارسة أعمال غير قانونية .
وكذالك يقوم أطفال الشوارع بمسح زجاج السيارات وجمع القمامة والورق والعلب الفارغة والانضمام إلى العصابات الإجرامية ومنهم من يماس السرقة، ولذلك يصاب هؤلاء الأطفال بالإحباط والاضطراب في وظيفة الأمومة والأبوة والحرمان من الأسرة الذي يجعلهم أكثر عدوانية.
وينتشر أطفال الشوارع في مواقف سيارات النقل وفرزات الباصات.. والحدائق العامة.. وأبواب المساجد.. وأمام المطاعم.. ويعيشون في المدن المزدحمة كصنعاء وتعز وعدن والحديدة وحضرموت وأن هؤلاء أصيبوا بمرض العزلة الاجتماعية، وهي أخطر الأمراض التي تهدد المجتمعات، وهذا المرض يؤدي إلى انحسار الشخص في نفسه ويشكل خطورة على المجتمع.. فطفل الشارع عندما ينعزل عن المجتمع يفقد كل الأصدقاء الذين كانوا حوله ويفقد صورته الشخصية، بالنسبة للمجتمع، ويشعر بأنه مهمش ولا قيمة له في الدنيا ويفقد التخطيط للمستقبل، ويسير بالشوارع بلا هدف ويعيش مع جماعات وعصابات تلتزم بأخلاقيات الشارع وتصرفات الجماعة.. ويحكم كل عصابة زعيم ونواب له وأسفل هذه الطبقة أطفال كثيرون يعيشون تحت سلطان الزعيم الكبير ويعملون لحسابه الخاص في بيع السلع التافهة ويوزعهم على الحارات والمساجد للتسول.. وبيع المخدرات وذلك من أجل حمايتهم من الشرطة وعصابات الشوارع الأخرى.. ويصاب هؤلاء الأطفال بالحقد على المجتمع والعصبية نتيجة الحرمان من أبسط حقوقهم مثل اللعب مع الشعور بعد الأمان وعدم الظلم.
ومن الناحية الجسدية فهؤلاء الأطفال معرضون لحوادث السيارات أو الاغتصاب أو تعلم عادات سيئة.. فقد كشفت دراسة حديثة حصلت عليها (إيلاف) أن 30% من أطفال الشوارع تعرضوا لمحاولات اعتداء جنسي (اغتصاب) فيما22,9% منهم اغتصبوا قصراً علي أيدي كبار ومجرمين ورجال عصابات.. وأيضاً تلاحظ على هؤلاء الأطفال مشكلات سلوكية كالكذب والسرقة، لعدم توفير الرقابة الأسرية.. وأن شعور هؤلاء الأطفال بالنقص قد يولد رغبة في الانتقام لديهم، لذلك فهم بحاجة إلى الاستقرار النفسي والاجتماعي والجسدي وأن يتحرك الأفراد في المجتمع اليمن الإسلامي القائم على التكافل والتضامن الاجتماعي للاهتمام بهذه الفئة ..وكذلك لابد من توفر جهات مختصة تدرس هذه الحالات كلا على حده ..وتقوم بإشباع حاجاتهم الأساسية ومساعدتهم ..كما أن هناك الكثير من الأطفال الذين لهم بيوت ولكنهم يختارون البقاء في الشارع ..وربما يكون السبب في ذلك هو الفقر أو شدة الازدحام أو التمرد على ضغوط البيت أو المدرسة أو إساءة المعاملة في البيت وقد يقضي بعض هؤلاء الأطفال بعض الوقت مع أسرهم أو أقاربهم ولكنهم يقضون الليل في الشوارع ..وبعض أطفال الشوارع جزاء من أسرة تعيش في الشارع ..كما أن هذه الظاهرة في بعض الأحيان نتيجة للحروب والنزاعات.
فالمدخل الصحيح الذي يجب أن يتبع للتعامل مع هذه الظاهرة يقتضي الاعتراف أولاً بحقوق الطفل والعمل على كفالة هذه الحقوق لجميع الأطفال، خاصة الذين يعيشون في ظروف اقتصادية صعبة للغاية وللتعامل مع هذه الظاهرة من منظور اجتماعي إصلاحي وديني وليس أمنياً وعقابياً.. وكذلك إنشاء نظام اجتماعي يقوم على تفعيل آلية لرصد الأطفال المعرضين للخطر والتدخل المبكر لحمايتهم من كافة أشكال العنف والاستغلال ..وكذلك حماية الأطفال المتسربين من التعليم والذين يتعرضون لعنف داخل الأسر أو المدارس ..وضحايا الأسر المفككة والعملين في سن مبكر ..وفي بيئة عمل غير آمنة والذين ينتمون إلى أسر ذات وضع اقتصادي متدنٍ، لأن هذه العوامل تؤدي إلى نزوح الطفل إلى الشارع، بالإضافة إلى تطوير البرامج في بلادنا مثل مكافحة الفقر.. وتفعيل نظام الضمان الاجتماعي بشكل أوسع وأنفع في نفس الوقت وإنشاء مراكز تأهيل نفسي ومهني واجتماعي للأطفال، مع ضرورة حماية الأطفال الموجودين في الشارع من خلال التعامل معهم في الشارع نفسه لتفادي المخاطر التي قد يتعرضون لها وجذبهم تدريجياً إلى الرجوع إلى بيوتهم وأسرهم.. وتفعيل دور الإعلام لرفع الوعي وإثارة الرأي العام بأهمية التصدي لهذه المشكلة في مرحلتها المبكرة وعدم عد هؤلاء الأطفال مجرمين، بل ضحايا يستحقون الرعاية أكثر مما يستحقون الإدانة.. فدورنا الأساسي يتطلب التخلص من السلبية التي نعاني منها.
عبد الوارث الراشدي
أطفال الشوارع ..كارثة إنسانية تنتظر المعالجات 2488