سألتُ بعض الأصدقاء من عدة مدن يمنية عن تجاربهم مع تعليم أبنائهم في المدارس الخاصة (الماصّة للجيوب) وليتني لم أسأل!!، حيث انفجروا كبركان وتحدثوا بحرقة عن واقع هذه المدارس البائس، لدرجةٍ أحسست فيها بأنني المُلام !! ويبدو أنني لم أوفّق في اختيار التوقيت .. خصوصاً أن سؤإلى تزامن مع فترة تسجيل أبنائنا الطلبة للعام الدراسي الجديد ..و لعلكم تلاحظون خطابات الدعوة (الرومانسية) التي ترسلها المدارس هذه الأيام لأولياء الأمور لحثهم على التسجيل المبكر لأبنائهم لضمان مقاعدهم في (جنة) مدارسهم !! مع إشارة صغيرة ولطيفة في آخر الدعوة توضح زيادة الرسوم كالعادة للعام المقبل وتختلف الزيادة من مدرسة لأخرى لكنها تتفاوت (من 10 إلى 30%) فقط، (الله يديم الرخص)!!.
هذه الزيادة بالمناسبة - يا سادة - لا تخضع لأي تبرير معقول ولا معيار مفهوم لدينا.. فليست بسبب تطوّر واضح في اختيار المعلمين والمناهج.. ولا بسبب استثمار جديد ضخته المدرسة لتطوير بنيتها التحتية وبيئتها العلمية !! بل ببساطة هو قرار من (رأس صاحب المال.. تاجر التعليم، حفظه الله ورعاه) والذي يسترزق ويتسبب بتعليم أبنائنا ويغامر بمستقبلهم في ظل النوم التام لوزارة التربية والتعليم في العسل.. والتي لا أعرف سبباً واضحاً لنعاسها الطويل الأجل.. لكن ما أتوقعه بل وأجزم به أن هؤلاء التجار هم أساساً مسئولون في وزارة التربية والتعليم!!!.
ومما يزيد من مأساة تجارة التعليم الأهلي ما يسمى بـ التعليم الحديث والذي كما أفهمه هو التعليم بأسلوب علمي متطور وبمنهجية مبدعة وجاذبة (ليس فيها تلقين وحفظ بالغصب) بحيث يُغرس في أذهان أبنائنا وبناتنا حب التعليم من خلال إعطاء الطالب مساحة كبيرة (وحرة) للتجربة والإبداع.. وتمكينهم من استكشاف مواهبهم وصقلها مبكراً!!.
ولكن ما يحدث للأسف أن مفهوم التعليم الحديث في السواد الأعظم من هذه المدارس اُختزل فقط في تكثيف اللغة الإنجليزية بإضافة حصص إضافية وأيضاً معمل إلى لا يعمل!! وبالتإلى فإن ما ندفعه من رسوم خيإلىة لهذه المدارس في السنة الواحدة، تجعلنا نسأل بحرقة عن مخرجات هذا النوع من التعليم الاستثماري أو بالأحرى التجاري؟.
وإذا كانت المحصلة هي نفس ما يتعلمه أبناؤنا المساكين في المدارس الحكومية، فلنوفر هذه الأموال المستنزَفة.. لأن ما نصرفه في (الاستثمار) في عقول أبنائنا.. يذهب لبطون تجار التعليم.. والذين لا يرتقي مستوى بعض معلميهم ومعلماتهم إلى مستوى من يوكل إلىه مسئولية صناعة أجيالنا القادمة !! ليس لسوئهم بل لبخس أثمانهم من قبل تجار التعليم!!.
عزيزي وزير التعليم: يقول الشاعر:
ومن رعى غنماً في أرضٍ مُسبِعة... ونام عنها تولّى رعيَها الأسدُ
رائد محمد سيف
التعليم الاستثماري التجاري!! 1973