إثنا عشر عيناً انبجست من الحزب الاشتراكي اليمني أو اثنا عشر نقطة لحل قضية الجنوب، تعبر جميعها في المحصلة عن حس وطني راقٍ جداً يهدف إلى وضع العربة أمام الحصان وإعادة الأمور إلى طبيعتها والجنوب إلى مستوى المعادلة مع الشمال لمسيرة وطن، والنقاط التي طرحها ليست تعجيزية ومماحكات ورغبة كسر العظم كما يقولون، كما أنها ليست اشتراطات تبحث عن مفارقات، بقدر ما هي لملمة وطن وخروج من واقع الهيمنة إلى المواطنة المتساوية.
في نقاطه المطروحة لا نرى غير أمر واحد: حرص الحزب على تطبيع الأوضاع ليس إلا، والعودة إلى مربع الحقوق والحريات التي قامت من أجلها الوحدة الوطنية، ويصير واهماً كل من اشتغل خارج هذا السياق أو بحث عن مفارقات، فيما الحزب ظهر أنه أحرص من كل القوى السياسية على صياغة المعادلة الوطنية بشكلها الصحيح، فقد طالب ونحن معه وكل الخيرين والقوى النضالية ومن يؤمن بالإنسان، بحقوق صودرت فيما كانت مكتسبة لمواطني الجمهورية اليمنية من الجنوب، كعودة الموظفين والعسكريين الذين كانوا ضحية حرب صيف 94م ودفع مستحقاتهم وهو مطلب عادل تماماً، بل ومتواضع جداً لمن يريد السلامة ويؤثر الوطن على ما عداه وطالب بإعادة ممتلكات نهبت مهما كانت ولمن كانت، ومحاكمة الفاسدين والناهبين للأراضي....إلخ، المطالب التي تعد مظالم ينبغي رفعها ونحن بكل تأكيد نشعر أن الظلم يعم كل الوطن ما بقي على إخوتنا في الجنوب، ونشعر أننا نختبئ من مواجهة الحقيقة إن لم نكن متورطين فيها بصمتنا ما لم نرفع أصواتنا لمطالب الحزب ونقاطه الإثنى عشر ببساطتها، ورغبة تطبيع الحياة اليمنية، وسنبقى فعلاً مع الاتجاه المتواطئ إن لم نكن نحن على ذات الخط سواء أفراداً أو شخصيات اجتماعية أو وجاهات وأحزاب ومنظمات مجتمع مدني..
لقد طرحت تلك النقاط كمبادرة من الحزب لتضع الكل أمام اختبار لمدى مصداقيتهم في التعامل مع نصف وطن بقي مظلوماً ولم نعره معنى أو انتباها، بما أدى إلى تفاقم الحالة اليمنية حتى كادت أن تتشظى، واليوم الحزب يتصدر المهام الوطنية العاجلة كعادته ويصيغ نقاطاً نشعر أنها تعبر عن جميع القوى المحبة للسلام والساعية للأمن والاستقرار والسلم الاجتماعي.. ومرة أخرى يقدم الحزب نفسه في مستوى ما هو أهل له وينتمي إلى الأرض والإنسان وهو ما يجعلنا نقف معه ونصغي لندائه الوطني، فلم يكن في يوم من الأيام إلا داعي حب ووئام وخير وسلام، هكذا عرفناه مناضلاً ونعرفه اليوم منافحاً عن حقوق وحريات ويطالب بوضوح وفي نقاط معدودة ما يستحق أن نكترث له ونمضي جميعاً في ذات السياق مع حزب كان وما يزال منتمياً بقوة إلى قيم الحق والخير والجمال..
ولعله وهو يطالب باعتذار رسمي لأبناء الجنوب في خاتمة النقاط عن كل ما لحق بهم من أذى وإقصاء ومصادرة ونهب وتعسف، إنما يدفع كل غيور إلى ذات المطلب وبالرغم أن لا ناقة لي ولا جمل في حرب مشؤومة على وطني إبان نظام سابق أراد الجنوب كله فيداً وغنيمة بعقلية اللامبالاة والشطط ورغبة القهر، برغم أنني خارج هذا الموقف من بدايته إلا أنني كمواطن يدرك معنى الظلم والقهر على إخوته أقدم ولي كل الشرف اعتذاري البالغ عن كل ما لحق الجنوب من مآسٍ سابقة، وهو اعتذار رمزي ليس إلا، أريده مبلوراً واضحاً ومعنوناً بدولة ونظام وشعب بأسره يعتذر بالصيغة التي يطرحها الحزب أو إخوتنا في الجنوب ودونما أي تردد، بل ولابد من المبادرة قبل الطلب بالاعتذار، فذلك دليل إنسانية الدولة والنظام، ولا مشاحة مطلقاً في إعلانه بقوة اعتذار رسمي يترجم الضمير الوطني كله ويعبر عن مصداقية في التعامل هذا إن قبل إخوتنا الاعتذار ووجدناهم أكرمنا جميعاً في تجاوز مخلفات نظام أرهق بلاداً بأسرها وجعلها تئن تحت رغباته (والعفو عند كرام الناس مقبول) لاشك..
وإذاً الحزب الاشتراكي عبر بنبل عن موقفه وانحاز كعادته للحب والوئام والخير وأضاء الطريق للعارفين السالكين حباً وليس من أعماهم الغرور وجسدوا الأنانية في تعاملاتهم مع الآخر.. ونجدها هنا فرصة ثمينة يقدمها الحزب نأمل التقاطها من القوى المحبة للسلام وتنشيطها حد التطبيق ورفض مغادرته إلا بعد استكمالها على مستوى كل نقطة، فذلك وحده من ينجز في المحصلة النصر بعد أن تلاشى مع حرب صيف 94.
وفي كل الأحوال فإن القوى الخيرة تدرك بدقة معنى النقاط التي طرحها الحزب وهي ترمي بصدق إلى تطبيع الأوضاع، فلم تخسر الوطن شيئاً ولم تضف أعباءً ولم تقدم اشتراطات تعجيزية، بقدر ما هي تحصيل حاصل كان ينبغي أن تتم من وقت مبكر جداً لو أن ثمة شعوراً وطنياً صادقاً، لكنها الأنانية والاستعلاء صادرت وطناً وأضرت شعباً وخلفت احتقانات اليوم نبحث عن إزالتها ويناضل الشرفاء وفي مقدمتهم الحزب الاشتراكي لتجاوز أزمات ومآسٍ حتى على حسابه، باعتباره أكبر المتضررين في محاصرته سياسياً ومصادرة ممتلكاته ومحاولة قهره حتى لا يكون كما عهدناه تاريخياً مناضلاً جسوراً ضد كل أشكال الظلم والطغيان، لكنه اليوم في الموقع ذاته يعبر عن هموم وتطلعات وطن، وهكذا دوماً نجده يتصدر المهام الصعبة ويعبر عن نبض الجماهير وتطلعاتها وعن هموم وآمال كل الشرفاء..
وإذاً لابد من قراءة خارطة طريق الاشتراكي وترجمتها والزيادة عليها بما يحقق رفع كل أشكال الظلم على إخوتنا في الجنوب، ولهم حينئذ مطلق الحرية في التكوين الجغراسياسي، ولكن ليس قبل تطبيع كامل وغير منقوص للأوضاع وصياغة اعتذار يراه إخوتنا بالصيغة التي يريدونها، وعلى النظام والدولة ككل إعلان هذا الاعتذار بما يعبر عن شجاعة أخلاقية تعترف بالانتهاكات وتدعو إلى تجاوزها وحلحلة كل القضايا الوطنية في منظومة حوارية متكاملة تستهدف خلق مناخات وئام وتمتين يعيد جسور مودة بعد عناء طويل وبعد تشريد ومصادرة وتزييف تاريخ وإلحاق أذى ومن وبعد قهر كلي للجنوب
النقاط الاثني عشرة في محصلتها إذاً هي إنسانية المعنى تماماً، ووطنية الانتماء، هكذا يجب أن نفهما حتى لا نجد نحن أنفسنا أمام إخفاقات تمس كلنا بضر.. وهو ما يدركه الحزب ويعمل على تجاوزه وقد بلغ الأمانة وأدى الرسالة وما تبقى هو في ملعب قوى التعددية السياسية والحزبية والنظام والدولة.
محمد اللوزي
الاشتراكي.. وطنية الانتماء وإنسانية المعاني!! 1987