شاءت الأقدار وساعدت الظروف المختلفة تحت أي مسمى أن تصعد الأنظمة العربية الاستبدادية إلى سدة الحكم في أزمنة مختلفة متفاوتة واستمرت في قيادة البلدان العربية تحت النّظُم الجمهورية، ولم تُولي شعوبها أي اهتمام. مع أنها لم تعطها حقوقها المشروعة الواردة في دساتيرها وقوانينها المصاغة من قبلها في أروقة غرفها المغلقة وظلت تدير هذه الشعوب بعقلية قديمة عفنة زاعمة أنها تحكم بالنظم الديمقراطية الزائفة والتعددية السياسية الغائبة المنعدمة.. هذا في الدول التي أقرت التعددية كاليمن ومصر والجزائر، وهناك دول أخرى حكمتها أحزاب فردية أحادية كحزب البعث العربي العراقي والحزب الدستوري التونسي وحزب البعث العربي السوري الذي يشن هذه الأيام حرب إبادة على شعبه الثائر ضده على الرغم من أن النظام يحتضن في أيامه الأخيرة من عمره بعد قيامه بقتل وإبادة ما يزيد على عشرين ألف شهيد ولا زال القتل مستمراً حتى تاريخ كتابة هذا المقال.
وقد استخدمت الأنظمة أساليب وحشية مخيفة ومروعة ضد شعوبها حتى أذلتها وقهرتها ودمرت اقتصادها وبنيتها التحتية التي أوجدتها الأنظمة التي سبقتها، بَيْدَ أنها تفننت في أساليب القمع المختلفة وفي تسمية هذه الأجهزة، فمن الأمن السياسي إلى المخابرات المركزية والأمن القومي ومحكمة أمن الدولة وغير ذلك من المسميات التي ما أنزل الله بها من سلطان والتي تعتبر زنازين ومعتقلات لمن تسول له نفسه المطالبة بالحرية والحقوق المتساوية والتداول السلمي للسلطة.. هذا على الرغم من أن وسائل إعلام هذه الأنظمة كانت تبث للداخل والخارج أقاويل كاذبة زاعمة من خلالها بأنها تحكم الشعوب بأنظمة مدنية حديثة وأن الشعوب هي مصدر السلطات التي تختار رؤساءها ونوابها والقضاء مستقل ولا سلطان عليه لغير الشرع والقانون. والسلطات الثلاث قضائية وتنفيذية وتشريعية مستقلة عن بعضها ولا تطغى أحداها على الأخرى وهلم جر من هذه التضليلات المنمقة!.. والألفاظ المزخرفة! التي كانت تزين بها الأنظمة المخلوعة وجهها القبيح وأفعالها السيئة والكل يعلم أنها تنتهك الحقوق وتستبيح، فالانتخابات الرئاسية والبرلمانية مزورة ولا يتحقق الفوز والأغلبية المطلقة إلا للرؤساء الذين يفوزون بامتياز وكذلك أعضاء مجالس الشعب والنواب التابعة لأحزابهم الحاكمة، أما القضاء عندهم فمهزلة وغير مستقل، فهم من يقومون بتعيين القضاة والسلطة التنفيذية هي التي تهيمن على جميع السلطات، الأمر الذي جعل القضاة غير مستقلين بقضائهم ولا يستطيعون الحكم بحيادية وأمانة، بل لابد وأن تكون الأحكام لمصلحة الحاكم العربي وحزبه وضد خصومه المعارضين ولو كانوا أصحاب حق فهم في جميع الأحوال مدانون ولا جدال في ذلك أو نقاش..
وهو ما يعني أن الأنظمة المخلوعة حكمت الشعوب بالحديد والنار وبالقوة لا بالشرعية الدستورية والقوانين الإجرائية والموضوعية المزعومة والمكدسة في المخازن والأدراج.. ومع هذا كله فقد خسرت الأنظمة رهانها وأسقطت الشعوب كيانها وخابت الأسر العائلية الحاكمة والأحزاب المتسلطة وقواتها المسلحة المحمية بها والتي لم تكن يوماً ما حامية للشعوب ومكتسباتها ولا مدافعة عن الأوطان ومقدراتها، وكانت النتيجة النهائية المعلنة في الربيع العربي 2011م فوز الشعوب وانتصارها وخسران الأنظمة واندثارها وذلك ما عبر عنه أول رئيس عربي منتخب من الشعب المصري الدكتور (محمد مرسي) في خطابه التاريخي الذي شهده العالم في اليوم السابق على حلفه لليمين أمام المحكمة الدستورية العليا ومجلس الشعب والمجلس العسكري، حيث نزل إلى ميدان التحرير وألقى خطابه الشهير على أنصاره الثوار وشعب مصر المتواجد في الميدان وخارجه ومن ضمن ما جاء فيه قوله وهو يشير في كلتا يديه إلى الملايين المتواجدة (انتم الأصل وغيركم وكيلا عنكم – ومن يحتمي بغير الشعب فهو الخاسر – ولا سلطة فوق سلطة الشعب فانتم أساس شرعية الجميع – ولا مجال لانتزاع سلطة الشعب ) انه خطاب ثوري وسياسي أذهل العالم وسيظل مُحَتَفَظاً في ذاكرة التاريخ، كما أن الأجيال ستظل أيضاً تتدارسه لتجعل منه دستوراً ينير لها الدرب ويُزَيّن لها الحياة، وبالفعل خسرت الأنظمة الرهان وخلعت الشعوب (بن علي ومبارك والقذافي وصالح) والذين لم تنفعهم ترساناتهم العسكرية ولا أسرهم العائلية الحاكمة ولا أحزابهم الدكتاتورية، لأن كلا منهم احتمى بغير الشعب ومن يحتمي بغيره خاسر..
وهاهو الأسد يحاصره شعبه وهو يبحث اليوم عن دولة أوروبية أو أسيوية يلجأ إليها فاراً ولو إلى (جحر ضب) حتى لا يحاكمه شعبه، فهو خامس الأشرار المخلوعين وقد جاء خطاب مرسي، معلناً لبقايا الأنظمة القديمة ولمن ما زال يفكر بعقليتها الضالة وللدنيا بأجمعها بأنه لا عودة مرة أخرى لبقايا الأنظمة إلى الحكم، ذلك أن الشعوب قد وعت الدروس وأنه لن يحكمها بعد اليوم مستبد ومن كثر ظلمه قرب هلاكه.
أحمد محمد نعمان
مَنْ يَحْتَمِي بِغَيْرِ الشّعْبِ خَسْرَان!! 1987