"تستطيع أن تكذب على بعض الناس ولبعض الوقت، كما وتستطيع الكذب على الجميع ولبعض الوقت؛ لكنك لن تستطيع الكذب على جميع الناس ولكل الوقت" قول مأثور صاحبه حكيم تركيا وأديبها الراحل ناظم حكمت أجده يماثل حالة الكذب والتضليل القائمة اليوم في هذه البلاد المنكوبة.
لم يخطئ المهندس/ حيدر العطاس حين قال بأنه ورفاقه الجنوبيين في الخارج لن يكرروا خطأ التوحد عام 90م، الرسالة واضحة وأعتقد أن الحوار الوطني لن يكون على غرار اتفاقيات الوحدة أو وثيقة العهد والاتفاق التي سرعان ما تم النكث بهم من النظام العائلي القبلي العسكري وشركائه وقبل أن يجف مداد حبرهم، ألم يصف الرئيس السابق وثيقة العهد بـ(وثيقة الخيانة والعار)؟ لكنه وحتى الآن لم يقل لنا كيف وقّع على وثيقة الخيانة والعار؟.
أتدرون ما مشكلة الجنوب الجوهرية؟ إنها تتمحور برفض مجتمعي تام للكيفية التي تمت بها إدارة دولة الوحدة من نظام عائلي قبلي عبثي فاسد، فهناك شعور كاسح بأن الوحدة أخذت من المواطن الجنوبي أكثر مما أعطته؛ بل قولوا سلبته حقه ووجوده ودولته إن لم نقل تاريخه مادياً ومعنوياً أو كفاحه الطويل من أجل يمن ديمقراطي موحد.
نعم هنالك شعور متراكم ومهول بالضيم والإحباط واليأس، وعندما يفقد الإنسان أمله وتفاؤله ووجوده وثقته بكل من حوله ؛ يصير الكلام عن الحوار الوطني كلاماً عبثياً وسفسطائياً وديماغوجياً.
"الكذَّابون خاسرون دائماً، ولاسيَّما أَنَّ أَحداً لا يُصدَّقُهُم حتَّى ولو صَدَقُوا" قول أرسطو هذا أظنه يجافي واقعاً صاغه الكذب والغدر والخيانة، حقيقة لا أعلم كيف سيقبل ساسة الجنوب؟ وكيف يطمئنوا للحوار الوطني المزمع عقده فيما النظام الجديد وكأنه ديمة وقلبنا بابها من النظام السابق؟.
إننا إزاء حالة غريبة.. عجيبة.. حائرة.. مرتبكة.. وجلة.. رافضة.. مخاتلة.. مبهمة.. غامضة.. مضللة.. لا أدري ما الفرق بين نظام عائلي قبلي جهوي أقعد جيشاً من الكفاءات المدنية والعسكرية وبين نظام ثورجي توافقي - برأسين جنوبيين – لا يوحي أو يشير بثمة فعل واحد تجاه جيش من الكفاءات المدنية والعسكرية والأكاديمية والدبلوماسية المقعدة قسراً؟ ففي الحالتين نحن تجاه مشهد عبثي واحد غير قابل بمشاركة الآخر له في السلطة والقوة والقرار.
لكم تخيل مثلاً ماهية القرار السياسي المتخذ نحو صحيفة ( الأيام )! فبرغم أن وقفها ومحاكمتها وتكبيدها خسارة طائلة لم يكن سوى جريمة سياسية مقترفة من النظام السابق ؛ إلا أن استمرار محاكمتها وتوقفها لن يكون باعث اطمئنان وتفاؤل لكافة الجنوبيين وهو ما يعني بالضرورة انعكاسه على الحوار الوطني وأطيافه ومجرياته، فما لم يسبق الدعوة للحوار فعل سياسي جاد وصادق يصلح شيئا مما أفسده النظام في محافظات الجنوب، ويمهد أيضاً لمرحلة تاريخية مختلفة كلياً عمَّا سبقها ؛ لن تجد الدعوة لهذا الحوار أذناً صاغية، إنها ستكون أشبه بالأذان في مالطا قبل هجرة المسلمين إليها.
أياً يكن الأمر! وأيا تكن الجهة الحائلة أو الممانعة لمسألة إعادة الحق المسلوب والمصادر إلى أصحابه - الذين هم هنا ليسوا جماعة أو فئة؛ فإن دعوة هؤلاء للحوار الوطني اعتبرها دعوة مضللة ووقحة إن لم تكن مخاتلة كسابقتها التي مازلنا نتجرع غدرها وجرحها الغائر في أعماقنا وعقولنا.
دعونا نقيم العود الأعوج بدلاً عن تقييم ظله، لنتحدث عن هيكلة الجيش والأمن، المؤكد أن هذه الهيكلة تواجه بعنت وصلف من القيادات العسكرية والقبلية، أما إذا انتقلنا إلى الكلام عن الدولة الديمقراطية الحديثة ؛ فحسبنا أن المواطنة المتساوية والعدالة المجتمعية والنظام والاستقرار والرخاء وووإلخ من المفاهيم والمفردات الثورية يستلزمها ثورات لا ثورة واحدة فقط.
يقول أمين الريحاني: ازرع الصدق والرصانة تحصد الثقة والأمانة، لكن هذه البلاد وأهلها مشكلتهما من جائحة الكذب والغدر، ليت اقتصر الأمر على ساسته الذين يذيقون ذرعاً بالصدق والحق ! لكننا نتحدث عن كذب مع الله والذات والمجتمع والعلم والتاريخ والأجيال.
فمن أين ستأتي الثقة والأمانة؟ فكثيراً ما انشغلنا في متاهة الحوار والهيكلة والثورة والتغيير ودولة المؤسسات والمواطنة والكفاءة والنزاهة والشفافية، بالمقابل لا يسمعون غير الكذب والرياء، ولا يفعلون شيئاً محترماً ونزيهاً يمكنه طمأنة المطالبين بعودة حقهم ووجودهم السياسي والمعنوي والنفسي، كما لا يبعثون للثائرين ببارقة أمل إيجابية.
لكننا مع كل ذلك الضيم والإقصاء والسلب والنهب والاحتقار لكرامة الناس وحقهم في المواطنة ؛ لم نسمع أو نرى شيئاً ذي أهمية واعتبار للزمن القادم، فحتى أولئك النفر القليل الذين تم ترتيب وضعهم في عهد الرئيس السابق وفي وظائف هامشية ؛ صاروا أقرب للنظام السابق منه للنظام الجديد الذي أعلنوا انضمامهم إليه مذ اللحظات الأولى، فكيف إذا ما قلنا بإعادة الحق لأولئك الذين طالهم النفي والإقصاء والتهميش ووووإلخ؟؟.
محمد علي محسن
الحوار لا يسبقه الكذب!! 2478