الكرم صفةٌ من صفات المواطن اليمني الطيبة، وسجيةٌ من سجاياه الكريمة التي لا زال يتمسك بها، ويعتز بها ولا يرضى أن يحيد عنها مهما كان الثمن، فهي تجري في عروقه كصفاته الأخرى من شهامة، وإباء، وعزة نفس، وإغاثة للملهوف وقد ورثها عن آبائه وأجداده، ورضعها مع اللبن منذ نعومة أظفاره وهي ميزةٌ من مزاياه الحميدة التي حباه الله بها, فهو لا يصطنعها اصطناعاً ولا يتكلفها تكلفاً، إنما تأتيه عفويةً خالصة وبشكل تلقائي.
فكلما قرأت في كُتب التاريخ وقلبت الأوراق التي أثق بسطورها؛ عن كرم حاتم الطائي، انتابتني موجةٌ من كبرياء، تزخر بها ذاكرتي عمن مضوا من أمتي، فأحاول حفظها عن ظهر قلب، فعلى الأغلب لن أستطيع مجاراة سلوكيات حاتم وجرأته في كرمه، إلا أنني أنوي محاولة تعليم من يخلفني في هذه الحياة بعضاً من هذه التعاليم، علّ وعسى أن يظهر من صلبنا من يجود بأغلى ما لديه إكراماً لضيفه وإنكاراً لذاته.
حاتم الطائي كما تعلم العرب كان يوماً ضيق الحال، لم يجد من ماله إلا فرسه الجميلة قائمةً بباب داره، لم يفكر بنفسه ولا بزوجه التي حاولت ثنيه عن مراده، فذبح الفرس من وريدها، وطبخها وأطعم ضيفه حتى شبع، وحفظ له التاريخ طيب نفسه ورجاحة رأيه، وإنكار ذاته.
دخلنا ثالث الألفيات، وما زال لدينا كثرٌ من أمثال حاتم ولكن بهيئاتٍ جديدةٍ من يسر الحال، تراهم متبعثرين فـي( المولات)، وعلى أرصفة الشوارع الثمينة، تراهم يتكدسون على الأسواق ، يتأثرون بقديم أثاثهم، ليبدؤوا رحلة تغييره من أفخم المحلات، ومن أغلى الماركات العالمية، أظن أن ذلك طمعاً منهم بإكرام ضيفهم، وحاشا أن يكونوا ممن يدفعون أغلى الأثمان طمعاً بجاهٍ أو ترفٍ اجتماعي مقيت، وحاشا أن يكونوا ممن يبتغون استثارة إعجاب أحدهم من هنا أو هناك، حاشا وكلا!!.
حاتم يا سادتي، على ضيق حاله؛ إلا أنه لم يَكرَم ولم يجد بمال غيره، بينما من يقرأ ساحتنا اليومية سيرى عجباً عجاباً، وسيرتجي منه الجواب ..
لم يكن بمقدور ( طائيو اليمن الجدد ) ، إلا أن يكرموا بقوت الشعب اليمني المهترئ على من يملي الضمير الإنساني عليهم أن يكرموه، فصارت بلادنا ولله الحمد، حاضنة الهويات، وجامعة الأوطان.. بالطبع لن أتكلم عن مواطني ( العالم ألأول ) طبعاً ليس لشأنهم في دولهم، ولا لصفة ( خبير) اللصيقة بجوازات سفرهم التي يتغنونً بها فحسب، بل لأنهم لن يطمعوا بمزاحمتنا على طحينٍ مدعوم، ومؤسسة مدنية ممتلئة، وعسكرية مزدحمة! بل سأتكلم عن من أكل لقمة عيشنا، وتركنا على محك البطالة الثقافية قبل أن تكون اقتصادية، فقد زرع هؤلاء ( الطائيون الجدد ) في ثنايا مجتمعنا ثقافة أن اليمن عزيز وكريم ، ومن العزة والكرامة أن لا تعمل أجيراً عند أحد، بل من العزة والكرامة، أن تجلس تصفق يداً بأختها، وتندب حظك العاثر، وسوء تخطيط وظائف الدولة، بينما يسرح غيرك ويمرح في رزق بلدك الذي قدره الله لك لا لهم.
كنت أشاهد التلفاز قبل يومين من إحدى القنوات الفضائية، وشاهدتهم وهم يجمعون تبرعات في إحدى الدول العربية الشقيقة من أجل المتضررين في اليمن ، وتساءلت: هل فعلاً نحن بحاجة إلى الشحاته المرخص بها إن صح التعبير ، بينما مسئولونا الفاسدون يكرمون ضيفوهم من مال الشعب؟ متى يعلم هؤلاء المسئولون أنهم خدم لهذا الشعب وأنهم أصحاب أمانة على ثروات وممتلكات هذا الوطن؟.. لك الله يا وطني ولك الله يا شعب اليمن الكريم .
sraeed@gmail.com
رائد محمد سيف
طائيو اليمن الجدد 2473