فرصة ذهبية ثمينة للأبناء تمتد بين آخر يوم من اختبارات النقل والشهادة العامة في نهاية العام الدراسي وبين أول يوم من أيام التسجيل للدراسة في العام الجديد، وهي في الغالب ثلاثة أشهر تمر على الطلاب والطالبات مر الكرام، فقلما تجد من يهتم بها أو يستفيد من أيامها ولياليها فترى وتشاهد الكثير والكثير من الطلاب يقتل الوقت ويضيعه فيما لا فائدة منه كلعب القمار ومجالسة الفاسدين وقتلة الوقت وأيضاً في التخزين والسمرات والمقايل التي لا مصلحة منها ولا ثمرة. ولا علم ولا معرفة!ولا خُلُق حَسَن ولا استقامة!ولا جليس صالح يحفظه من الانحطاط ويعلمه الاستقامة.فأبناؤنا أمانة الله في أعناقنا سيسألنا عنها ويحاسبنا عليها لاسيما وهم زرع قلوبنا, وفلذات أكبادنا،ومحققوا أحلامنا, وأمل مستقبلنا، فمسئولية الحفاظ عليهم وشغل أوقاتهم فيما يفيدهم في هذه الإجازة تقع على عاتق الآباء والأمهات, وعلى عاتق الدولة في آن واحد، فالدولة ممثلة بوزارة التربية والتعليم والأوقاف والإرشاد والشباب والرياضة والإعلام مسئولة عنهم من خلال إقامة مراكز صيفية،ودورات تأهيلية, ودروس تعليمية, وانشطة رياضية, وحلقات تحفيظ قرانية, ومعارف دينية وإسلامية.ودور الآباء والأمهات يأتي بالدفع بالأبناء إلى هذه الأنشطة وتشجيعهم على حضورها ومتابعتهم منذ خروجهم من منازلهم وحتى العودة إليها وإذا لم تقم الدولة بأداء دورها وتحمل مسئوليتها فلا يُتْرَكُ الأبناء وشأنهم بل يجب على الآباء عمل جدول زمني يومي لهم منذ الصباح الباكر وحتى المساء، هذا بالإضافة إلى الدفع بهم إلى مراكز تحفيظ القران الكريم والتجويد والتفسير التي تقام في المساجد والمدارس الأهلية والمراكز الخيرية وما لم يبذل الآباء جهدهم ويهتمون بهم فإن النتائج ستكون عكسية وأليمة عليهم جميعا. فان لم يشغلوا أوقاتهم بالخير وطلب العلم فسيتم شغلها بالشر وسوء الأخلاق وإن لم يتم اختيارهم لأصدقاء صالحين خيرين فسيحل محلهم جلساء سوء فاسدون.والصاحب ساحب, وقل لي من تجالس أقل لك من تكون والمرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل!!ولا بد أن يكون الآباء والأمهات قدوة حسنة لأبنائهم وبناتهم، لاسيما وأن الأطفال يقلدونهما فكيفما يكون الأب والأم في سلوكهما أياً كان تجد الأطفال يقلدون فيما هما عليه من الخير والصلاح والاستقامة أو سوء الأخلاق ومخاطر الانزلاق.. ولذا قال الشاعر الحكيم:
وينشأ ناشئ الفتيان فينا
على ما كان عوده أبوه
فإذا كان الأب ذا خلق حسن مستقيم يصلي ويصوم ويتصدق ولا يكذب ولا يأتي الدنايا والأفعال المخزية، ستجد الأبناء يسلكون نفس السلوك وإذا كان الأب منحرفاً لا سمح الله ستجد الأبناء مقلدين له بذلك، فإذا أمره بالصلاة والصيام و ترك الكذب والدخان فلن يصدقه ولن يعمل بنصحه وسيكون رده عليه كيف تأمرني يا أبي بالصلاة والصدق ومجالسة الصالحين وأنت لا تفعل ذلك؟ كيف تأمرني بترك الكذب وترك الدخان وترك لعب القمار وأنت تكذب وتدخن وتلعب القمار؟.
إذن فلا بد أن يكون الأب قدوة حسنة ومثلاً أعلى أمام أطفاله وهو مسئول عن تربيتهم التربية الحسنة يقول الرسول صلى الله وعليه وسلم (ألزموا أولادكم وأحسنوا أدبهم)ففي هذا الحديث إرشاد إلى ما ينبغي أن يكون عليهم الآباء من ملازمة أطفالهم ومتابعتهم، بحيث تكون تصرفاتهم وحركاتهم وجولاتهم وذهابهم وإيابهم تحت إشراف الآباء ونظرهم.فإذا تصرف احدهم أي تصرف يحتاج إلى توجيه كان ذلك التصرف موضع العناية والنظر والفرق واضح بين أبوين (الأول) اهتم بأبنائه وتابعهم في الإجازة الدراسية وأدخلهم دورات تعليمية وتربوية وثقافية ودينية و(الثاني) أهمل أبناءه فلا يسأل عنهم إذا غابوا! ولا يتفقد أحوالهم إذا حضروا! ولا يوجههم وجهة الخير لأنفسهم!فكيف ستكون النتيجة؟ وما هي الثمرة التي يحصل عليها الطرفان؟فلا شك بان أبناء الأول سيتفوقون في دروسهم ويمتازون في أخلاقهم ومعاملاتهم ويطيعون والديهم وينجحون في أمور حياتهم الدنيوية والاخروية وسيسمع الأب عن أبنائه كلاما طيبا وسمعة حسنة ترفع الرأس وتثلج الصدر وتريح القلب فيحمد الله على ذلك, أما أبناء الثاني فسيخفقون في دروسهم وتسوء اخلاقهم ويعصون والديهم الا من رحم الله. كما أن والدهم سيسمع عنهم كلاماً سيئاً وسمعة مشينة غير مشرفة فلربما يسمع أن احد أبنائه قُبِض عليه وهو يشرب الخمر مع اخرين وقد زُجّ به في السجن والثاني أثّر عليه جلساء السوء فأصبح نشالاً والثالث خالط الفاسدين والمجرمين فأصبح عاصٍ لله وعاقاً لوالديه ومؤذياً لجيرانه، فكيف سيكون موقف الأب حينئذٍ؟ وهل سينفعه الندم؟ فما أجمل أن يتنبه الأب والأم لأطفالهما منذ البداية فيقومان بتربيتهم وهم صغار يسمعونهم ويطيعون ولا يخالفون أمرهما وهذه مسئوليتهما أمام الله عز وجل قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ) ويقول الرسول صلى الله وعليه وسلم (كلكم راع ٍ وكلكم مسئول عن رعيته فالإمام راعٍ ومسئول عن راعيته والرجل راعٍ في أهله ومسئول عن رعيته..الخ) ونحن هذه الأيام في أول الإجازة الصيفية فلا نترك أبناءنا يضيعونها هدراً ولنتنبه لذلك ونستشعر عِظَمَ المسئولية والله حسبنا ونعم الوكيل.
أحمد محمد نعمان
الإجَازَةُ الدِّرَاسِيَّةُ وَأثَرُهَا عَلَى الأبْنَاء!! 1956