تحطمت آمال الحالمين بعودة أنظمة حكم ما قبل الربيع العربي بسقوط المرشح الرئاسي المصري الفريق أحمد شفيق آخر رؤساء حكومات عهد الرئيس السابق حسpني مبارك في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية التي جرت في 16 و17 يونيو الجاري، فقد كان هؤلاء في كل المنطقة وفي اليمن وتونس خصوصاً يرقبون الانتخابات المصرية وكأنها تجري في بلدانهم وأيديهم على قلوبهم، وكانوا يعبرون عن فرحتهم بسذاجة غريبة كلما ظهر أحد من حملة شفيق ليقول أنه الفائز أو عندما ظهر شفيق بنفسه ليعلن أنه الفائز أو عندما يظهر أي تشكيك في صحة النتائج التي أعلنتها حملة منافسه الدكتور محمد مرسي، رغم أنها لم تنفرد وحدها بتلك النتائج التي أكدت تفوقه - أي مرسي - بل إن مواقع محايدة مثل صحيفتي الأهرام والوطن ظلت مؤشراتها تؤكد تفوق مرسي حتى آخر لحظة... لكن ظنون أنصار الأنظمة التي تم اقتلاعها خابت وأدركهم اليأس عندما أعلن رئيس اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية المصرية مساء الأحد الماضي فوز مرشح قوى الثورة الدكتور محمد مرسي وبنتائج لا تختلف سوى بنسبة لا تذكر عما أعلنته حملة هذا الأخير، مؤكدة مصداقيته ومصداقية حملته والقوى التي دعمته في الجولة الثانية.
لقد كان وصول الدكتور محمد مرسي إلى مقعد الرئاسة في مصر تجديداً لروح ثورات الربيع العربي، فمهما كانت إخفاقات ثورة مصر ومهما استمرت محاولات الالتفاف عليها فإنها تظل بوصلة التغيير والتجديد والتنوير دائما لكل المنطقة... ولذلك بقدر الفرحة التي انتابت عشرات الملايين من أنصار ثورات الربيع العربي في كل المنطقة فإن الأنظار ستتركز على أداء الرئيس المصري الجديد بذات القدر بل ربما أكثر، وسيكون عليه مواجهة تحديات كبيرة جداً فيما لازالت مصر لم تستقر بعد لا سياسياً ولا تشريعياً ولا اقتصادياً ولا أمنياً... سيترصده أنصار نظام مبارك والخصوم التقليديون للإسلاميين وخصوم الربيع العربي وسيجعلون من كل هفوة بسيطة يرتكبها خطيئة جسيمة وهذا مفهوم على أي حال في ظل غياب الخصومة الشريفة... وستنتظر منه الأغلبية الصامتة إنجازات خارقة وسريعة في تحسين ظروفها المعيشية... وسيستل أنصاره كل أسلحتهم الفكرية والسياسية وكل حججهم المختلفة للدفاع عنه بالحق وبالباطل كما هو معتاد على الأرجح... وبين كل أولئك سيكون عليه أن يمشي بحذر شديد في حقل ألغام وحديقة أشواك لينجز ما يمكنه إنجازه من ناحية وفي الوقت نفسه ليعمل على تطهير الحقل من الألغام وتنقية الحديقة من الأشواك... لكنه قبل هذا وذاك سيتحتم عليه قراءة نتائج الجولة الثانية سواء الأصوات التي ذهبت له أو لمنافسه، فالأكيد أنه ليس كل من صوت له كان مقتنعاً بشخصه أو بحزبه أو جماعته، لكن لأن الكثير من هؤلاء لم يكونوا يريدون أن يروا أحداً من رموز نظام مبارك يجلس على كرسيه وإلا فلا معنى للثورة والتضحيات التي بذلت من أجلها... والأكيد أيضاً أنه ليس كل من صوت لشفيق كان مقتنعاً به، بل إن نسبة ليست قليلة منهم تناصر الثورة والتغيير لكنها لم تكن تريد وجها إخوانيا يجلس على كرسي الرئاسة... وهذا سيقتضي من مرسي أن يثبت لمن صوتوا له من أجل الثورة أن أصواتهم ذهبت للخيار الصحيح وأن يثبت لمن صوتوا لشفيق من أنصار الثورة أنه قادر على كسب ثقتهم وتبديد مخاوفهم، وأن مصر ستشهد على يديه ولادة دولة مدنية حقيقية تنتصر للحريات والحقوق ويسود فيها القانون وسيجد الأقباط في ظلها الإنصاف الذي لم يجدوه طوال العقود الماضية سواء في مجال بناء الكنائس أو في تولي المواقع القيادية في الدولة والحكومة.
سيتحتم على محمد مرسي أن يدرك أن جزءاً كبيراً من مسئولية نجاح تجربة تيار الإسلام السياسي في الحكم في المنطقة سيكون ملقى على عاتقه، فهو اليوم يجلس على مقعد رئاسة الدولة الأكثر أهمية وتأثيرا في الوطن العربي على كل الأصعدة... ومن أجل تحقيق مثل هذا الهدف سيكون عليه الاستفادة من تجربة حزب العدالة والتنمية التركي الذي نجح خلال عشر سنوات في بناء دولة ديمقراطية حقيقية في تركيا على أنقاض نظام العسكرتاريا الذي سيطر على كل مقاليد الحياة السياسية لأكثر من سبعة عقود بحجة حماية العلمانية متحالفاً في ذلك مع جهاز القضاء... والأكيد أن مصر لا تعاني من قبضة كتلك القبضة، فلا الجيش يمتلك عقيدة علمانية بالمفهوم الاستبدادي الذي كان عليه الجيش التركي ولا القضاء كذلك يعاني من نفس الإشكالية، لكنهما بالتأكيد قد يشعران بالقلق من امتداد محتمل للتيار الإسلامي في أوساطهما، وهو أمر وارد في حال استمرار التحالف غير المنظور بينهما وإصرارهما على استمرار سيطرة الجيش بغطاء دستوري وقانوني ومساندة قضائية على مقاليد الحياة السياسية المصرية لسنوات قادمة أخرى، إذ سيظل الحكم القضائي غير المبرر بحل أول مجلس شعب منتخب بإرادة حرة فعلية نقطة مسيئة للقضاء المصري لأنه فتح الباب للمجلس العسكري الحاكم لإصدار إعلانه الدستوري المكمل الذي استعاد به سلطة التشريع وأعطى نفسه العديد من الصلاحيات التي لا حق له فيها وليست من اختصاصاته أساساً وبالذات مع إعلان التزامه بتسليم السلطة للرئيس المنتخب في الموعد المحدد، فلولا حكم المحكمة الدستورية العليا بحل مجلس الشعب ما وجد المجلس العسكري مبرراً للإعلان الدستوري الذي يمكنه من تقاسم السلطة مع الرئيس الجديد!.
سيجد الرئيس محمد مرسي نفسه في موقف صعب فلا هو بالتأكيد يرغب في مصادمة العسكر ولم يعد هذا الخيار وارداً أيضاً في رؤية جماعة الإخوان المسلمين وحزبها (الحرية والعدالة)، ومن ثم لن يكون أمامه سوى الاحتماء بالشارع الثائر الذي أجمع لأول مرة بكل نخبه وشبابه وأحزابه على رفض الإعلان الدستوري المكمل حتى وإن كان البعض منهم مرحباً بحل مجلس الشعب ذي الأغلبية الإخوانية والسلفية... وقد يستدعي ذلك عقد صفقة مؤداها الموافقة على حل مجلس الشعب مقابل إلغاء الإعلان الدستوري المكمل، وهو قد يكون خياراً مقبولاً على أساس أن هناك يقيناً لدى مختلف القوى السياسية إضافة إلى المجلس العسكري أن الإخوان والسلفيين لن يتمكنوا من الحصول على ذات الأغلبية التي حصلوا عليها في الانتخابات التشريعية السابقة، بسبب التراجع الملموس لشعبيتهم نتيجة لأدائهم في مجلس الشعب المنحل.
نصر طه مصطفى
مرسي... الفوز الصعب والرئاسة الأصعب! 2133