الحياة سجن كبير.. هذا ما توصلت إليه مؤخراً بعد أن قررت البُعد عن السياسة ومنافذها وموجعاتها، فقررت إهمال حياة الرفاهية كما يظن البعض أنها كذلك رغم أنها في اليمن لم تكن ابداً رفاهية، فأدرت ظهري عن التلفاز والهاتف الخلوي والانترنت والصحف ظناً مني بأني سأستعيد قواي المتهالكة من الضغط النفسي المتكدس جرّاء الأحداث الأخيرة التي غمست الروح في بئر التعب، فما كان لي إلا أن أؤمن بأن الحياة هي ذاتها الحياة ؛ سجنٌ كبير!.
- المياه مقطوعة والكهرباء أيضاً..وأخيراً حضر الماء بعد فراق أربعة أشهر وما إن انتعشت أنابيب المياه قليلاً بدفئه حتى تقهقرت للوراء رقصات المياه بسبب انقطاعات الكهرباء المتواصلة..
وعليه فالغسيل متكوّم والكثير من الأمور المنزلية،نكاد لا نعرفها إلا نحن ربات البيوت،متعرقلة وتنتظر رحمة الكهرباء عليها لساعات وأينما ولّيت لا تسمع إلا ألفاظ اللعن لمؤسسة الكهرباء والمياه ويستاهلوا!.
- حالة من الرعب تعيشها أمهات طلاب الثانوية والشهادة الإعدادية منذ مغادرة أبنائهن المنزل حتى عودتهم وأكثرهن اللواتي يسكن بقرب مراكز امتحانات ولعل جارتي أقرب مثال، فكلما سمعت طلقات رصاص بعضها من المدرسة وأحياناً من خارجها حتى تهرع للخارج لتسمع وتسأل عن الذي حدث، هذا يحدث بالرغم من أن (العملية الإمتحانية تسير بهدوء ودون مشاكل ) كما نسمعهم دائماً يتحدثون على التلفاز، إلا أن طلقات الرصاص تؤكد صدق كلامهم.. أليس كذلك؟!.
- الحياة بكل تفاصيلها باتت اليوم كعلبة كبريت رغم اتساع رقعتها وتوارد أحداثها، والوضع هو الآخر يُحتّم على القابع تحت مزاريبها الشعور بالملل أحياناً والضيق أحياناً أخرى والشرود أكثر الأحيان والسياسة وإن ابتعدت عنا فلن يفضي ذلك إلى انتهاء الهم والهرم ووجع الرأس، فالحياة ما زالت مليئة بالمنغصات والمطبات خاصة في الوضع الراهن وفي يمننا السعيد..
من هذه التجربة الطويلة القصيرة خرجتُ بفائدتين الأولى: أن الحياة سجن كبير وعلينا أن نعيش تحت هذا السقف من الشعور مع تجرّع الضيق والاتساع للظروف والتزود بالصبر كثيراً والصمت أكثر والأمل أكثر ما يكون.. والثانية: أن العيش بعيداً عن المنغصات يبعث للحياة الملل وإن صفى الذهن واتسع الوقت، فالحياة تظل كما هي سجن كبير...
إن شحن النزعات بصورة زائدة ومقيتة عن التجمعيون نتاج عمل المفلسين الذين وصلوا إليه هو أبلغ درجات اليأس والغرض هو التهوين من شأنهم، فأعجب لما يقال عنهم من إنشائيات زائفة أو عبارات تكتب عنهم مصدرها هلوسات زائفة لا يقبلها الحكم الشرعي ولا العقلي، تصطدم بالواقع والمجتمع الذي وصلت إليه لمسات الجنود المجهولين الخيرين المحاطة بالرأفة للمعسرين والأيتام في كل المناسبات.. بكل منتهى الصراحة أقولها لمن يطلق الأحكام جزافاً عن التجمعيين: دعوا الذين جاءوا في الوقت المناسب للمساهمة في حلول الغد، كي لا نكون أمة مغرقة بالجدل والمراء والمهاترات.
أحلام المقالح
الحياة سِجن كبير! 1928