إذا دعتك قدرتك على ظلم الناس فتذكر قدرة الله عليك، هذه كلمات حفظتها في صغر سني، وهي من أكثر الكلمات التي أسمعها دائماً من والدي حفظه الله.
تعود هذه الكلمات لذاكرتي كلما مرّ علي ذِكر أحد المسؤولين الذي يتهاون في حقوق الناس، فيبخسها أو يتعمد ظلمهم، فيسعى إلى قطع أرزاقهم ويتحكم في حال الضعفاء إما بضربهم أو سجنهم أو شتمهم أو عدم إعطائهم حقوقهم، فأتساءل حينها: كم من مسؤول سمِع بهذه المقولة؟ و هل يدرك كل مسؤول وصاحب منصب هذه الكلمات؟! وهل يتذكر هؤلاء المسؤولون وأصحاب المناصب الحكمة التي تقول (لو دامت لغيرك ما وصلت إليك)؟ وهل يتذكر هؤلاء أن مصيرهم المحتوم مهما طال إما أن يموت أو يحال إلى التقاعد أو العجز ثم يصبح في المجتمع نسياً منسياً؟!.
ولنا عبرة في الآخرين من الطغاة وغيرهم وكل الظلمة وأعوانهم والذين ألقاهم الناس في مزبلة التاريخ بين شريد وطريد وخائف مذعور أو رهين اعتقال سلبت منهم النعمة وأحاطت بهم المحن ونزعت عنهم الكرامة وأصبحوا عبرة لمن يعتبر، بل هل يتفكرون في قوله تعالى (وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ)؟ و هل يتعظون من قول النبي صلى الله عليه وسلم (من أعان على خصومة بظلم أو يعين على ظلم لم يزل في سخط الله حتى ينزع) رواه ابن ماجة، وقوله صلى الله عليه وسلم : (إن الله ليملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته) وفي حديث أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنه قال: "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا، يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته، فاستهدوني أهدكم..... )؟.
مساكين هم المسؤولون وأصحاب المناصب الذين قٌدِر لهم أن يحكموا الناس، فظلموهم وتعالوا عليهم!!.
إن على المسؤولين وأصحاب السلطة من الحكام والوزراء وغيرهم ممن ولوا شؤون المواطنين أن يتقوا الله فيمن تحت أيديهم وأن يخافوا الله في الضعفاء ومن ليس لهم حول ولا قوة إلا بالله وليتذكروا أن لهؤلاء أطفالاً وزوجات وأن يتقوا عاقبة الظلم ومصير كل ظالم متكبر وأن مآله إلى القبر وكذلك أعوان الظلمة وهم عيون للظلمة وأيديهم التي يبطشون بها وعقولهم التي يفكرون بها.
قيل ليحيى البرمكي وهو في السجن ( أبعد الأمر والنهي صرنا إلى هذه الحال، قال لعلها دعوة مظلوم سرت بليل غفلنا عنها ولم يغفل الله عنها ).
لا تظلمن إذا ما كنت مقتدراً فالظلم آخره يأتيك بالندم
تنام عيونك والمظلوم منتبه يدعو عليك وعين الله لم تنم
حكي أن الحجاج حبس رجلاً ظلماً فكتب إليه رقعة قال فيها: قد مضى من بؤسنا أيام ومن نعيمك أيام، والموعد القيامة، والسجن جهنم، والحاكم لا يحتاج إلى بينة، وكتب في آخرها: غداً عند الإله من الظلوم وما زال الظلوم هو الملوم أداموه وينقطع النعيم وعند الله تجتمع الخصوم، ستعلم يا نؤوم إذا التقينا أما والله إن الظلم لؤم سينقطع التلذذ عن أناس إلى ديان يوم الدين نمضي.
وذكر الظلم في مجلس ابن عباس رضي الله عنه، فقال كعب : إني لأجد في كتاب الله أن الظلم يخرب الديار فقال ابن عباس : تصديقه في القرآن العظيم ( فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا ).
فيا أيها المسئول:
هلا اتعظت بغيرك من الظلمة فإن لكل ظالم نهاية، ولا يبقى للإنسان إلا ما قدمه من خير وسيذكره الناس بالخير والتاريخ مليء بأصحاب الخير وأصحاب الشر، فماذا يبقى للإنسان إلا عمله وذكره الحسن بين الناس لأنه حتماً سيموت وسيقف أمام رب العباد!!.
و هلا اتقيت دعوة المظلوم فإنها تُحمل على الغمام، يقول الله ( وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين.. ) و يقول صلى الله عليه وسلم ( اتقوا دعوة المظلوم فإنها تصعد إلى السماء كأنها شرارة ) وأن ( ثلاث دعوات يستجاب لهن لا شك فيهن، دعوة المظلوم ودعوة المسافر ودعوة الوالد لولده).
ابن ادم لا يغرك طول الأمل وكثر التمني تـــــراك مقفي والنهاية قــريبه
والـعـمـر مـحــســـوب بــــالـــثــوانــي لازود ولا نقـــص ولا فــيه ريـبه
ومــســئـول عـن الــقـاصي والــدانــي واصبر على ما جاك مــن مصيبة
ولا تـظــلــم تــرى الــحــق يــبـانــــي ودعوة المظلوم على الظالم مصيبة
رائد محمد سيف
تذكر قدرة الله عليك 2624