الجيل الأول الذي يقدم على امتحانات ثانوية عامة بظل حكومة جديدة – كنا نأمل منها ان تتخذ تدابير لتوفير البيئة الملائمة لسير هذه العملية - هو نسخة مكررة للأجيال السابقة " الهدف الأسمى الحصول على المعدل كان يستحقه أو لا،ومهما كانت الوسيلة " اجتهاد، غش، رشوة، تزوير لا يهم بقدر ما هو التركيز على المعدل الذي سيحصل عليه ويتوق إليه بشغف ".
الجيل الذي كنا نظن أن الثورة غيرت فيه أو تأثر بها،جيل متمرد على القانون – العفو- أعني بأنه جيل ملتزم بقانون ارتكاب الخروقات الذي ألفناه عبر ثلاثة عقود "وشخطة".
*** *** ***
" يا فتاح يا رزاق يا عليم " يفتتح مدير المركز الإمتحاني يومه وبكل – ذوق – يخبر الطلاب بأنه ليس "بسارق، نصاب، مرتشي أو رخيص " وما يريده منهم سوى قبيلة " أي ما يطلع بخاطرهم " كل طالب ألف.. ألفين.. أنتم وقبيلتكم !!! وأبشروا بغش لم تره عين أو تسمع به أذن ولم يخطر ببال طالب " مزنبل محترف للغش " .. حلوة القبيلة والله بهذا الأسلوب.. وكلنا مع " القب يلة "
*** *** ***
أولياء الأمور يستيقظون أيضاً قبل الطيور، يصحبون أبناءهم إلى لجان الامتحانات لتوفير البيئة المناسبة للعملية التعليمية خاصة أن الحكومة لم تقم بهذا, يأسرك التفاني وإخلاص الناس لوطنهم وهم يحملون هذه المبادئ الخلاقة وما تلبث أن تكتشف أن البيئة المناسبة ما هي إلا سوى المشاركة بحل نموذج الامتحان وطبعه وتوزيعه على الطلاب عوضا عن ورقة الأسئلة وقد تجد المخلصون جداً جداً ممن تطوع وأعفى ابنه عن القيام حتى بالنقل لدفتر الإجابة، بل قام بنفسه بالكتابة عوضاً عن ابنه الذي لم يستطع المراجعة أو النوم بسبب انعدام التيار الكهربائي وقلق الامتحانات، فولي الأمر- الأب - يخشى أن لا يستطيع ولده التمييز بين السؤال والإجابة " مو على قدر الذكاء والمراجعة حق ابني بركن عليه ينقل! " بارك الله بالمخلصين وكثر من أمثالهم فلكم نحن بحاجة إليهم لبناء الوطن المتمدن.
*** *** ***
يقطع القلب طالب " ساذج " حبه بالكرتون يصيح يا جماعة ما قدرت اركز خلوني أجاوب بهدوء وإلا انقلوني قاعة لوحدي مع جيش من المراقبين ما اشتيش اغش.. " هييييييييي والهبالة اسحب عليه الدفتر يا اهيل وخلينا نكتب براحتنا، فالخارج عن الجماعة يستحق الطرد والفشل " ارحل من القاعة يا أهبل".
لم يدرك أن طالباً من الأجيال السابقة رفض أن يمارس الغش في مركز امتحاني- شاع فيه استخدام كل وسائل الغش المقدس – أطلق عليه لقب الأهبل ومازال لليوم في نظر الناس "أهبل" حتى نسي اسمه وصار هذا اللقب اسمه الملازم له صباح مساء .. مما اضطره بعد حين يتقدم إلى مصلحة الأحوال المدنية بتغيير اسمه إلى أهبل فقد اعتاد على هذا الاسم..
*** *** ***
تؤخذ عملية الامتحانات بجدية فتناقش بالمقايل قبيل بدءها وتعقد الاجتماعات بشأنها ليتفق خلالها القوم بأن على المراقبين إدراك أن دورهم شكلي فقط لكسب الرزق وإن نحن خرجنا من ثورة وإن التدريس لم يتم كما هو مقرر، أضف إلى هذا معاناة الأبناء الطلاب بسبب غياب الخدمات الأساسية.. ويتفق أن يحتشد القوم أمام كل مركز امتحاني بأسلحتهم في حال " عكر احد المراقبين سير عملية "نقل الإجابات إلى دفاتر الطلاب " ليتم تصويب الأسلحة إلى دماغه الوسخ بقاذورات الانضباط.. يكفي أبناءنا التزام بالقانون أن كلفوا أنفسهم العناء وحضروا إلى المراكز الامتحانية بلا نوم..
قح بوم تصدح من كل بندقية فيما إذا تناسى طالب نقل فقرة إلى دفتره ولم يقم بتذكيره هذا المراقب اللعين الذي لم يستشعر المسؤولية ولم يدرك أن هذا الطالب المغلوب على أمره بمثابة ابن له.
*** *** ***
أجيالنا تدمر وتخرب وتحول إلى معاول هدم، لذا حاجة ملحة تبرز على السطح مفادها احتياجنا لثورات عدة على هذه العقول المريضة والتي لا تدخر جهداً لقطع شريان الأمل نحو تشييد دولة مدنية.. إنها عمليات التجهيل بأبهى صورها تبرز هذه الأيام في موسم الامتحانات ولا هناك من يقوم بكبح هذا الدمار لا من حكومة هزيلة ومشغولة عنا ولا من أحد يعي أن " من غشنا فليس منا " صدر من لسان سيد البشرية " فلم يكن هذا الحديث خاصاً بغش البضائع كما هو سائد هذا المفهوم "
" ليتك يا رئيس الحكومة وفرت دموعك كلها وذرفتها دفعتة واحدة على هذه المناظر..!"
أحمد حمود الأثوري
القبيلة والغش القدس 2643