نتمنى نحن في اليمن أن يبرز من بين رجال المال والاقتصاد شخصية بحجم "طلعت حرب" في مصر الذي قاد حرب الاستقلال بسلاح الاقتصاد.
"طلعت حرب" شخصية مهمة ومؤثرة في التاريخ المصري والعربي الحديث، ولم يجد بعد من المؤرخين والدارسين الاهتمام اللائق بالدور الاقتصادي الوطني الذي لعبه في تاريخ هذه الأمة.
يقول فتحي رضوان – مؤلف كتاب "طلعت حرب.. بحث في العظمة": يعد طلعت حرب من رجال الدول، أسس دولة كبرى هي بنك مصر بشركاته المتعددة حوالي "15" شركة في عهده وبرغم الطنطنة الكبرى في مصر منذ سنوات لرجال الأعمال، فإن أحداً لم يتوقف بجدية أمام طلعت حرب ليستلهم تجربته.
كان طلعت حرب متأثراً بأفكار الحزب الوطني الذي أسسه الزعيم مصطفى كامل وتولى قيادته محمد فريد من بعده، وكانت فكرة بنك مصر مطروحة داخل الحزب الوطني وكان طلعت حرب مشغولاً بها.
كان الزعيم المصري يفكر في تأسيس بنك تسليف زراعي ليحل مشاكل الفلاحين، لكن هزيمته أمام الانجليز أطاحت بكل أفكاره.. تخمد الفكرة وتكاد تنسى حتى تثار مجدداً داخل الحزب الوطني سنة 1908م، وكان عمر لطفي - عضو الحزب- هو أبرز الداعين إليها، متأثراً في ذلك بالتجربة الألمانية.
وفي عام 1916م درس طلعت حرب تلك التجربة في الاقتصاد والبنوك، وكان طلعت من الحالمين بفكرة البنك الوطني حتى واتته اللحظة المناسبة وهي قيام ثورة 1919.
استغل طلعت حرب الحماس الوطني الذي أثارته الثورة ودعا إلى اكتتاب عام لإنشاء بنك مصر، يكون بنكاً وطنياً يعمل بأموال المصريين ولا يترك أموالهم في أيدي الأجانب، لم تكن الفكرة جديدة، حيث كان قد سبق تناولها في بعض الصحف، الجديد كان هو اللحظة المناسبة التي هيأت للناس الحماس وهكذا اكتتب "126" مصرياً بمبلغ "80" ألف جنيه، تأسس بها البنك في 7 مايو 1920م وبدأ العمل، بعد خمس سنوات بلغ المبلغ "500" ألف جنيه، وفي سنة 1927م وصل إلى مليون جنيه، وبلغت الودائع في السنة نفسها "5.5" مليون جنيه، بينما كان للبنك مركز واحد في القاهرة حين تأسيسه صار له 20 فرعاً في عام 1935م وفي نفس السنة تشارك البنك أو ساهم في تأسيس 14 شركة أخرى، منها شركة مصر للطيران وشركة مصر للملاحة البحرية وشركة مصر للتمثيل والسينما وغيرها.
عمل البنك في فلسطين وفي سوريا وفي الأراضي الحجازية وصار نموذجاً عربياً يحتذى به في الاستقلال الاقتصادي.