من المعروف أن الصورة النمطية للموروث الثقافي للرجل الشرقي تمنعه من التعبير عن نفسه والإفصاح عن مكنون ذاته وخصوصاً عن عواطفه إلا ما يتعلق منها بالغضب، أما في حالة التعبير عن الحزن والألم والدموع فإنها تعبر عن منتهى الضعف وقلة الحيلة وبمقابل ذلك رسمت صورة نمطية بليدة للرجل، حيث ينبغي عليه أن يكون رجلاً ذا هيئة صارمة وقورة، حتى وإن كان يفعل العكس، ناهيك عن الصورة الكاريكاتيرية التي يجسدها بعض الزعماء العرب برفع رأسه الى الأعلى، معبراً عن الشموخ والعظمة وان يتميز بإطلاق شاربه الذي يقف عليه الصقر – صورة قديمة – حيث أصبح اليوم يهذبه ويضيف إليه السكسوكة وكثيرة هي الصور النمطية التقليدية التي هي ارث من الموروث الثقافي السلبي المرتبطة بمستوى تطور الوعي الاجتماعي والثقافي.
وعلى الرغم من الفرض القسري في الموروث الثقافي اليمني الذي لا يميز بين المفهوم الجندري للرجل والذكر ناهيك عن ان عدد من الآيات القرآنية المعنية بذلك أن تأملناها سنجدها قد جسدت أروع الصور للرجل وميزت متى يكون الرجل رجلاً أم ذكراً.. فعندما يخاطب القران الكريم الرجل بصفته رجلاً، إنما يحمل معانٍ كثيرة في الحقوق والواجبات، أما بالنسبة لنوع الجنس - ذكوراً وإناث- فقد ورد ذلك في مواطن أخرى ليس لها علاقة بالواجبات.
ووفقاً لمفهوم الرجولة والذكورة اليمني فانه ينبغي على الرجل إلا يكون مرهف الإحساس وإن يختزل دموعه كي لا يراها الآخرون كما لا ينبغي أن تدمع عيناه حزناً أو ألماً، تعبيراً عما آل إليه حال شعبه وأمته، لأن ذلك يعد عيباً، بل هي ليست من صفات الرجال الموروثة عن مجتمعات قروية وقبلية ونظام تيوقراطي، بل وتصبح موضع تندر للمهزومين والموتورين والآميين وأشباه المتعلمين.
إن دموعك يا باسندوة هي غسيل لمعاناة اليمنيين ومرآة صادقة لرجل دولة مدني وابن بار لمدينة جميلة كان ينظر لها العرب والعالم أجمع كميناء تجاري عالمي تفد إليه آلاف السفن العملاقة ولم يحتلها الكابتن هنس من قبيل الصدفة، لقد كانت يا عزيزي مدينتك.. مدينتنا من أجمل المدن وأنجبت خيرة الكادر والمناضلين والسياسيين، بل كانت قبلة للتعدد الأثيني والتسامح الديني وأنتم يا سيدي نسيج من كل ذلك.. كيف لا وأنت متحرر من الصورة النمطية التقليدية للرجل الذين يريدوه إلا تدمع عيناه حزنا أو تفيض مشاعره جياشة لما اختزنته ذاكرته من زمن جميل... إنكم رمز لعدن ومدنية عدن ولملمح أخلاقي وثقافي لابن مدينة عدن الجميلة والباسلة وانتصار لهويتها الوطنية ... إنكم رمز متجدد للرجل الذي يعمل جاهدا من اجل دولة مدنية تبدأ بتحرر الإنسان من الموروث الثقافي والاجتماعي المظلم يحلق نحو البناء والتنمية ومواطنة متكافئة متساوية.
إنني أتذكر تماماً عندما كان رأس النظام السابق يجعجع بأعلى صوته والثورة الشبابية السلمية في قمة توهجها وعلى الملأ، رافضاً أن يكون دولة رئيس الوزراء الأستاذ/ محمد سالم باسندوه مشاركاً في الوفد المتجه إلى السعودية بمعية القادة والمناضلين الشرفاء من أحزاب المشترك وحلفاءهم للمشاركة في الحوار من اجل مستقبل اليمن وخروج بلادنا إلى وضع امن بدلا عن الانزلاق في حرب دموية ستقضي على الأخضر واليابس، بل زعيق وجعجعة رأس النظام السابق وأبواقه الإعلامية لم تكن تأتي من فراغ إنما لكونهم يدركون جيداً أن باسندوه رجلاً مدني حكيم عظيم صاحب مشروع بناء الدولة المدنية الحديثة.. دولة الأمن والسلام وهو جل ما يخشاه النظام السابق الذي لطالما تمسك بنظام ثيوقراطي ذا خلفية لنظام أنوي عائلي.
هكذا نحن التواقين إلى مجتمع مدني ننظر إلى دموعك التي هي عزيزة علينا ونفهمها كما هي.. دموع مناضل متمدن ومتحرر من شخصية الرجل الشرقي النمطية ..هي دموع رجل دولة عظيم أفنى حياته محبا لليمن.. يعشق أرضها .. يحب أهلها .. متألم لما آلت إليه بسبب آلة الفساد المدمرة وغطرسة نظام أسقطه شبابه ورجاله من أجل استعادة كرامتهم وحقوقهم المنهوبة والمسلوبة وأيضاً حقهم في المواطنة المتساوية وان ينعموا بالأمن والاستقرار..
*الناطق الإعلامي لمؤتمر المرأة المحلي بعدن
د.فائزة عبدالرقيب
باسندوة .. دموع غالية علينا 2374