ما من ثورة في التاريخ؛ إلَّا واقترن انجازها بثورة مضادة! إنها بديهية كالنهار والليل والحياة والموت والنجاح والفشل، لذا فأنه لمن السذاجة والبلاهة الاعتقاد بأن النظام العائلي القبلي الفوضوي القمعي المفسد سيبقي متفرجاً زاهداً بنعمة النجاة من مآل الرؤساء الثلاثة مبارك وزين العابدين ومعمر القذافي.
لا يوجد نظام أطاحت به ثورة أو انتفاضة أو انقلاب احمر أو ابيض يمكنه أن يُسلِّم ويقبل بخلعه وعزله دون أن يفعل شيئاً إزاء كرسيه المفقود، فكيف بنظام مازال قائماً ويقاوم بضراوة؛ بل ويهاجم بشراسة كل محاولات إسقاطه من النظام الجديد.
اغتيال القائد العسكري الفذ اللواء الشهيد سالم قطن بالتوازي مع التخريب لخطوط نقل الكهرباء وبتلك الطريقة الفجة والمتواصلة؛ لا أظنها سوى عملية منظمة لإفساد فرحة اليمنيين بما حققه الجيش واللجان الشعبية من انتصار سياسي وعسكري ومعنوي كان يمكن أن يدفع بعجلة الدولة الجديدة دفعة قوية إلى الأمام وبما يُمكِّن نظامها السياسي التوافقي من الانتقال من طور التشكل ومخاض الولادة إلى موضع السير بقدمين واثقين.
الرئيس المخلوع وفلوله وأقرباؤه وأبواقه بكل تأكيد لن يسلِّموا الراية طواعية ورغبة في إيثار السلامة والثروة الضخمة، فشخصية الرئيس وطبيعة تكوينه الفكري والتعليمي والنفسي والسيكولوجي ناهيك عن تركيبة نظامه العصبوي والعسكري والقبلي والتجاري، فكل هذه الأشياء تجعل النظام السابق شوكة في خاصرة العهد الحديث الذي يفترض به تمثل روح الثورة ومبادئها وأفكارها وقضاياها الكبيرة.
القاعدة وجماعاتها الإرهابية، والتخريب للكهرباء وللمنشآت الحيوية، جرائم القتل والتقطع والتهريب وإشاعة الخوف والرعب والبلبلة، الاغتيالات والاختطافات والعمليات الانتحارية والسرقات والنهب الحاصل وغيرها من الأعمال الخارجة عن النظام والقانون، فجميع هذه الأفعال لا يمكن أن تكون قضايا عابرة واعتيادية ناتجة عن سوء إدارة الحكومة والرئاسة.
الواقع يشير ويؤكد بثمة صراع خفي ما بين نظام بوليسي قمعي مازال لديه ما يشبه حكومة ظل أو قولوا: نظام بداخل نظام، وجيش وامن بداخل جيش وامن، ووزارات ومحافظات ومؤسسات وأدوات مازالت قائمة وتتعامل مع النظام الوليد بشيء من المراوغة والمكر والنفاق والخبث.
جهات ومراكز قوى لا تجد أية غضاضة أو حرج حين تمارس دور المعارضة في كنف سلطة تعد جزءاً منها، ودور حكومة ظل في ظل وجود حقيقي وفعلي في حكومة توافق، وولاء مستتر وواضح للنظام العائلي يقابله ولاء شكلي ومخاتل للنظام الجديد.
أخيراً رسالتي لرئيس البلاد؛ بأن يأخذ بحسبانه أنه ما من أنصار شريعة يأتون في عشية وضحاها ليستولوا على محافظة، وليقيموا فيها إماراتهم المزعومة، وليحاربوا الجيش والأمن في جبهات مختلفة؛ إلا ووراء هذه الجماعات قيادات وجهات داعمة ومستفيدة من تعطيل وإرباك العملية السياسية.
اغتيال الشهيد البطل اللواء سالم قطن، وتنفيذ مذبحة السبعين، واغتيال ضباط كُثر في ظروف غامضة، وتخريب منشآت حيوية وهامة لاقتصاد البلد وللناس عامة، فكل هذه الأعمال لا يمكن؛ بل ويستحيل أن تكون عفوية ولمجرد استغلالها لحالة الانفلات الحاصلة.
فالواقع أن ما يحدث اليوم ليس له سوى تبرير واحد ومنطقي وهو أن هنالك نظاماً عسكرياً قبلياً بوليسياً فاسداً في مواجهة نظام توافقي انتقالي يراد وأده قبل أن يقوى ويشتد عوده فيصعب كسره والسيطرة عليه تالياً.
المسألة لا تستدعي منا أكثر من النظر إلى القاعدة وإرهابها الذي اشغلنا سنة كاملة لنكتشف في الأخير إنه اضعف من أن يقف بوجه ترسانة الجيش لولا حالة التفكك والانقسام وعدم جهوزية وتهيئة جيش الدولة قتالياً وعقائدياً لمحاربة إرهاب القاعدة أو تخريب الكهرباء والنفط أو غيرها من الحروب المدافعة عن حياض الوطن وشعبه وسيادته.
على هذا الأساس لا تهاون، ولا تساهل، ولا تردد أو حيرة. فلا استقرار أو حوار أو هيكلة للجيش والأمن؛ ما لم تنهي السلطة الانتقالية وبقوة وحزم على الإرهاب والتخريب والاغتيالات والانقسام والعبث الممنهج ووووالخ.
فممارسات النظام السابق وفلوله لن تتورع عن استخدام إمكانيات ووسائل الدولة القائمة ومن توظيف مواقعها كي يفشل النظام الجديد المأمول منه تصحيح وتغيير الصورة النمطية السائدة عن الدولة وسلطتها ووحدتها الوطنية وديمقراطيتها وأحزابها وإدارتها وجيشها ودستورها ونظامها وهيبتها وحكومتها واستقرارها، فجميع هذه المفاهيم مازالت حبراً على ورق وآن الأوان كي تتجسد وتصير واقعاً عملياً.
محمد علي محسن
إرهاب وتخريب واغتيال وطن 2431