لم يفتأ المجلس العسكري في مصر أن يذكر الثورة حتى يضيق صدره ويزداد كمده، فينظم ويخطط بل وينفذ من خلف الكواليس في صنع ثورة مضادة لثورة الخامس والعشرين من يناير، لعل هذا الأمر ليس غريباً على مجلس نشأ وترعرع في حضن النظام السابق، بل ويعد واحداً من أهم دعائم وأركان النظام المخلوع التي ما تزال قائمة على أساس أنها تمثل الشعب المصري بأكمله، فمنذ سقوط مبارك والمجلس العسكري يجسد نفس المسار للنظام السابق ، بل وأتى بأشياء جديدة خارجة عن منطق العقل والفكر.
كثيرة هي مخالفات المجلس العسكري منذ توليه زمام الحكم وكان آخرها هو الإعلان الدستوري المكمل وحل مجلس الشعب وعدم دستورية قانون العزل بحق أزلام النظام السابق قبيل الانتخابات الرئاسية, فهذه الشواهد تدل وبشكل واضح بأن المجلس العسكري هو من يدير القضاء وله الحرية المطلقة في تغيير مواد الدستور والقانون لتتماشى مع رغباته في الهيمنة والوقوف حجر عثرة أمام أرادة الشعب المصري وهي الدولة المدنية الحديثة, فحل مجلس الشعب تعد سابقة خطيرة وليس على مستوى مصر فقط، بل على مستوى العالم كله، فمجلس الشعب الذي اختير في انتخابات حرة ونزيهة من قبل الشعب المصري ليس لأي شخص أو مجموعة أو مؤسسة يحق لها أن تحله، لأن حل مجلس الشعب يعني حل الشعب نفسه، وهذا ما لا يرضاه أو يتقبله الشعب المصري الحر ، بل إن التوقيت الذي أصدر المجلس العسكري قراراته العوجاء أي قبيل الانتخابات بأيام قلائل تتجلى لكل ذي بصيرة مدى المؤامرات والمكايدات التي يحيكها المجلس العسكري وذلك للحد من وصول صوت الثورة والشعب إلى سدة الحكم.
لقد أصبح المجلس العسكري بأفعاله هذه خارج نطاق العقل والمعقول وأصبح يتخبط كالملسوع لصعود الثورة والمتمثلة بالمرشح الفائز حسب النتائج الأولية الدكتور/ محمد مرسي إن هذه الأعمال تدل بشكل واسع أن النظام السابق ما يزال يدير مصر، بل ويمدد فترة حكمه وبقائه كيفما يشاء ،بل وبكل قانونية كما يدعي ومن ناحية أخرى تتبادر إلى الأذهان عدة استفهامات: لماذا تم تأخير إعلان نتائج الانتخابات؟ وهل هناك مفاجآت يصيغها العسكر خلف الكواليس؟.. لننتظر ونرى.
إن الإعلان الدستوري المكمل الذي أصدره العسكر ما هو إلا بداية لسلسلة هجمات على صلاحيات الرئيس المصري القادم، حيث أن الإعلان يقلص امتيازات الرئيس ويلغي صلاحيات يضمها العسكري إليه وبكل غباء وهذا الأمر ليس أمراً بسيطاً، لأنه تدخل سافر في الحقوق المخولة إلى الرئيس القادم من شعبه الذي اختاره والذي يمكن الرئيس بدوره من تحقيق ما يصبو ويتطلع إليه الشعب المصري في المستقبل.. لقد تحدى المجلس العسكري بقراراته وأفعاله اللادستورية عشرات الملايين من الشعب المصري الذي لا يرضى أن يهان هو أو من يحكمه.
وحده الشعب المصري الذي سيحرق خدع وخيانات العسكر, لأنه صاحب الكلمة أولاً وأخيراً, وعلى الشعب المصري أن يعي هذه المؤامرات وأن يكون حذراً ويقظاَ وأن لا يدع مثل هذه الخروقات تمر مرور الكرام وعلى الشعب المصري أن لا يبرح ميادين الحرية والتحرير حتى يحرر مصر من براثن حكم النظام السابق والمتمثل بالعسكر ، وفي هذه الأيام الاستثنائية فإنه على جميع أطياف الشعب المصري وبكافة تكتلاته وأحزابه وطوائفه الوقوف جنباً إلى جنب في مواجهة الثورة المضادة الذي يسيرها المجلس العسكري ولتصبح مصر بدون العسكر دولة مدنية يسودها العدل والمساواة والنظام والقانون .
سليمان عياش
المجلس العسكري والسياسة الباردة!! 1966