باللهجة المصرية كلمة "الجدعان" تعني الشطار والأقوياء والمتميزين.. وعندما يحب المصري أن يوصفك أو يمدحك يقول لك: جدع.... والجدعان باليمني تعني الكهرباء المضروبة والمنطفيه والتخريب المتواصل وهي ليست صفة أو مديحاً ولكنها تسمية لمنطقة أو قبيلة تمر فيها خطوط الضغط العالي للكهرباء التي يتم استهدافها يومياً وبشكل مستمر ومتكرر.. ولو أن مصرياً اليوم امتدح يمنياً أو أثنى عليه وقال له: "شكراً يا جدع" فقد لا ينجو المصري بقولته التي سيعتبرها اليمني شتيمة له وتهمة بقلة الوطنية والارتزاق، أضف عليها كل المواصفات القبيحة.
وفي الإمارات وبقية دول الخليج لديهم رحلات المقناص أو القنص وهي رحلات يقومون بها في فيافي صحراء الربع الخالي التي تمتد إلى الجدعان ومأرب ويتم في الرحلات صيد الأرانب البرية أو طيور الحجل وغيرها، إما عن طريق صقور الصيد المدربة أو بنادق الصيد الخاصة, أما في الجدعان فقد أضافوا للمقناص صيداً أو صنفاً معيناً من الصيد اسمه صيد الأبراج والكابلات لا تستخدم فيها الصقور ولا خراطيش الصيد.. وإنما يتم الصيد والقنص فيها بـ"الآر بي جي" والقنابل وبنادق القنص المتطورة التي صنعت وصرفت كمساعدات لمكافحة الإرهاب ويا عيني على الإرهاب ومكافحة الإرهاب..
المشكلة أن دول الخليج بدأت تتخوف من أن تنتقل عدوى المقناص الجدعني إلى هذه الدول عبر متاهات الصحراء لا خوفاً من الخسائر التي ستكلف ميزانياتهم مليارات الدولارات، ولكن يزيد خوفهم، لأن مواطنيهم تعودوا حياة الرفاهية ولا يتحملون انقطاعات الكهرباء، كما هو حال أبو يمن الذي عوده الزعماء على البرد والحر والجوع والمخافة.
وفي ظلام الليل تستمر الحكايات وقصص الأشباح والشبيحة وسير البلاطجة والبلطجة وتحكي شهرزاد بصوتها المتقطع والمتهدج والمبحوح والجاف من شدة العطش، كون الماء بعيد المنال وإن وجد ففي درجة الغليان فلا ثلج ولا تثليج ولا برد ولا تبريد.. تحكي شهرزاد مأساتها وتبكي ليالي ألف ليلة وليلة، لأنها ليست في خيمة شهريار ولا في قصره.. ولا في قصر الحمراء أو قصور الحمر أو آل الأحمر.. وإلا لكانت تناست شهريار قصص الخيال، لأن ما في واقع قصورهم من رفاه كفيل بأن ينسيها خيالها المحدود ويروي ضمأها ولو بماء السلسبيل ..
نعود إلى الحكاية ورواية شهرزاد على وزن الحر زاد والفقر زاد وانعدام الماء والزاد...تقول شهرزاد: يا شعبي المسكين والمغبون والمقهور، يا من تناقشون زواج صغار البكور وغلاء المهور ...الحكاية ليست حكاية الجدعان.. ففي الجدعان الوطنيون والأحرار والثوار...لكن لا تخلو المسألة من ضعاف النفوس ومن بالإمكان شراء ذممهم بالفلوس.. وفيهم من يمكن أن يقوم بعمل الجاسوس، فيدمر الكهرباء في لحظة انعدام الضمير والإباء.. والمشكلة ليست الجدعان، ولكن المشكلة في من وراء الجدعان، من يدفع المال، وينمق المقال، ويصور للبلهاء أن ما يفعلوته حلال.. المشكلة في جدعان المال والسياسة، وخبراء التنكيد والتعاسة ، والطامحين بالحكم والرئاسة..
وتستمر شهرزاد في الحكاية: ليست الكهرباء إلا نقطة في بحر الخطط , وما تسمعوه إلا بعضاً من مواء القطط، فاستعيذوا بالله من محبوط حبط، ومن كابوس على الشعب هبط.. وتذرف شهرزاد العرق، ويتوارى صوتها خلف لفيف الغسق , ولا يمكن أن يدركها الصباح، مادام كل شيء في الوطن مستباح، ويمزق الليل عواء الذئاب والصياح، فتتوقف شهرزاد عن الكلام، وتتساءل عن الصباح: أين الصباح؟ أين الصباح؟ أين الصباح؟!..
علي الربيعي
الجدعان بالمصري الشطار وباليمني مخربي الكهرباء والأشرار!! 1968