سابقة تكاد تكون الأولى من نوعها في مجال القضاء اليمني، ذلك هو القرار القضائي الشجاع الصادر من قاضي القضايا الجسيمة بمحكمة شرق إب العلامة (أمين محمد عبدالرحمن المجيدي) وذلك في القضية الجنائية المرفوعة من النيابة العامة برقم (197) لسنة 2010م والمقيدة بسجلات المحكمة برقم (17) لسنة 1432هـ. ولان القضية جنائية على ذمتها محبوس (متهم) بقتل، فقد قررت المحكمة تكليف النيابة بإحضار الشهود بواسطة الأمن بتاريخ 3/1/2012م وكانت النيابة العامة قد تواصلت مع إدارة الأمن بشأن ذلك بَيْدَ أن إدارة الأمن لم تنفذ الأوامر القضائية، مما أدى إلى تعثر القضية، الأمر الذي جعل محكمة شرق إب تتجه نحو تطبيق القانون ضد الجهة المعرقلة لتنفيذ الأوامر القضائية فأصدرت قراراها المميز ضد مدير أمن محافظة إب بتاريخ 11/6/2012م والذي قضى في منطوقة (بالتخاطب مع محكمة استئناف محافظة إب بخصوص رفع صفة الضبطية القضائية عن مدير امن المحافظة تمهيداً لإحالته إلى النيابة العامة للتحقيق معه في واقعة عدم تنفيذ الأوامر القضائية مع إرسال صورة من القرار إلى جهة الاختصاص ووزارة الداخلية والنائب العام ) وقد أصابت المحكمة في قرارها المذكور لان المسئولية تقع على المسئول المباشر مَنْ صدر ضده القرار حتى ولو كان الإهمال والتقصير والأخطاء مقترفة من قبل الضباط والمختصين تحت سقف إدارته الذين يستلمون الأوامر القضائية ويضعونها بالإدراج دون تنفيذ أو إبلاغ المسئول عليهم مَنْ صدر القرار ضده.كما أن القرار القضائي يستدعي من المسئول المباشر ونظرائه في المحافظات الأخرى تنبيه الضباط والمختصين إلى تحمل مسئولياتهم في حالة عدم تنفيذ الأوامر القضائية ومحاسبة المتسببين في ذلك. ناهيك ان المحكمة قد استخدمت حقها الشرعي والقانوني وأحيت نصوصا في قانون الإجراءات الجزائية كانت أشبه بالميتة مع أنها هامة وضرورية.فمحاكم الجمهورية برمتها تشكو وبشكل دائم من تعثر وعرقلة الكثير والكثير من قضاياها المختلفة جزائية ومدنية وشخصية وتجارية وأموال عامة بسبب عدم تنفيذ أوامرها القضائية من قبل أقسام الشرطة وإدارات الأمن المختلفة في إحضار بعض الخصوم والشهود والمنفذ ضدهم المطلوبين قضائيا إليها. الأمر الذي أدى ويؤدي إلى عرقلة سير العدالة والتأخير في انجاز القضايا وأحياناً يصل الأمر إلى إضاعة بعض الحقوق وتبرئة بعض المتهمين المدانين واستبعاد بعض القضايا وشطب أخرى، وكل ذلك بسبب عدم تنفيذ الأوامر القضائية في إحضار مطلوبين ممن يكون لهم أثر على الدعوى سلباً أو إيجاباً وبحضورهم تتحقق العدالة ويُسْتَبَانُ للقاضي كيف يحكم وقد ذاع صيت هذا الحكم وانتشر وتناقلته بعض وسائل الإعلام المرئية والمقروءة لأهميته وأثره البالغ في تحقيق العدالة ولشجاعة مصدره، وحُقَّ له أن يُنْشَر ويعمم على كافة أجهزة الضبط القضائي كي يعوا ويفهموا أن مخالفة أوامر القضاء وعدم تنفيذها سيعرضهم إلى رفع صفة الضبطية القضائية عنهم ومساءلتهم جنائياً وعزلهم عن مناصبهم وفقا لنصوص المواد (86ــ88ــ89ــ90) من قانون الإجراءات الجزائية رقم (13) لسنة 1994م كما أن الضرورة تقتضي تعميم الحكم أيضاً على محاكم الجمهورية باعتباره سابقة قضائية يستفيد منها القضاة فتقوي عزائمهم وترفع هممهم فيتسابقون في تفعيل القانون وبالأخص النصوص القانونية الجامدة التي تشكو الظلم الواقع عليها من قبل بعض أعضاء السلطة القضائية في عدم تفعيلها والأخذ بها.
وبتطبيق القانون ستتحقق العدالة للضعيف والقوي على حد سواء لاسيما وان معظم القضايا المتعثرة في المحاكم هي قضايا الضعفاء الذين لهم خصوم أقوياء أو نافذون، فكل ما أمر القضاء ووجه بإحضارهم لا يحرك رجال الأمن ساكناً ولا يوصلون مطلوباً ولا يرحمون ضعيفاً حتى ولو كانت الأوامر قهرية بل ربما وبسبب لجوء المظلوم إلى المحكمة لإنصافه ولعدم تنفيذ رجال الضبط القضائي لأوامر القضاء بإحضار المطلوبين تزداد الجريمة وتتسع وهذا ما يحصل في كثير من الأحيان والأصل أن يستقر في علم الجميع أن علاقة رجال الضبط القضائي بهيئات السلطة القضائية هامة وضرورية سواء قبل المحاكمة أو أثنائها أو بعد صدور الأحكام وأثناء تنفيذها، وقد نُظّمَتْ هذه العلاقة عن طريق الدستور والقوانين المختلفة النافذة. فالشرطة هيئة مدنية نظامية تؤدي واجبها لخدمة الشعب وتكفل للمواطنين الطمأنينة والأمن وتعمل على حفظ النظام والأمن العام والآداب العامة وتنفيذ ما تصدره إليها السلطة القضائية من أوامر كما تتولى تنفيذ ما تفرضه عليها القوانين واللوائح من واجبات وذلك على الوجه المبين في القانون مادة (39) من الدستور اليمني وبسبب الجهل بالقانون نجد أحياناً بعض جهات الضبط تستلم من الشخص مذكرة أو طلباً ما من المحكمة فتتعامل مع ذلك بإهمال وعدم شعور بالمسئولية لاسيما إذا كان صاحب الأمر ضعيفا فقيراً وجيبه فارغ فيقوم المسئول بالتعامل معه وكأن امراً قضائياً لم يكن فَيُحَرر له أمراً لإحضار خصمه، مع أن المحكمة قد أصدرت أمراً قضائياً قهرياً نظرا لتمرده.فبالله عليك أخي القارئ هل سيحضر الخصم المتعنت بطلاب من إدارة الأمن وقد رفض الحضور بأوامر القضاء القهرية. بل ربما عندما يقوم الخصم بإعلان خصمه بالطلاب وكان المُعْلن متهوراً فسيقوم بالاعتداء على خصمه المظلوم بسبب هذا التصرف العشوائي المشين. لكنك تجد المفارقات العجيبة أحياناً عندما ترى شخصا آخر يتوجه إلى الشرطة بدون أمر قهري فيُحَرِّك له القسم طقماً عسكريا دون أمر قضائي ودون موجب لذلك غير انه مُريِّش وجيبه مليء بالنقود. ومع هذا كله ومن باب الإنصاف فهناك الكثير من الضباط والأفراد أصحاب أخلاق كريمة يحترمون الدستور ويطبقون القانون ويحمون الحقوق والحريات ويصونون الممتلكات ويتعاونون مع الضعفاء ويقفون إلى جانبهم ومثل هؤلاء يحظون بالاحترام والتقدير من المجتمع ويرضى عنهم رب السماء ولا بد من نظرة خاصة لهم من وزارة الداخلية والحكومة وتكريمهم وإعطائهم حقوقهم ومكافآتهم وترقياتهم حتى يكونوا أسوة لغيرهم.. فنأمل أن يحذو الآخرون حذوهم.
أحمد محمد نعمان
مَحْكَمَةُ شَرْقِ إب تَنْتَصِرُ لِلعَدَالَة!! 2715