يبدو الحديث عن التعليم في بلادنا أشبه بحكاية ألف ليلة وليلة وكلما تقدمت بنا السنون شاخ التعليم وكثرت تجاعيده ومآزقه لعل آخرها ما نسميه " التعليم المشفر" نسبة إلى المعلم المشفر، فالتعليم غابت ملامحه واندثرت مناقبه بسبب المعلمين المشفرين...
لعل الأغلبية يتساءلون عن ماهية التسمية الدخيلة على مهنة التعليم وسأجيبهم بكل بساطة أن المعلم المشفر هو ذلك المعلم الذي يتقاضى راتبه وهو في منزله دون التزام بدوام يومي وحضور وغياب وتدريس ويتم تشفير اسمه في كشوفات المدرسة على الطاولة وتبقى واضحة في سجلات التربية والتعليم ومقابل ذلك يتم خصم مبلغ من رواتبهم لجيب المشفر ولذا يسمى تعليم مشفر !
ففي احدي المدارس قد يصل عدد المدرسين المشفرين إلى ما لا يقل عن 15 مدرساً يتقاضون رواتبهم وهم في المنازل دون عذرٍ مقنع، في حين أن هناك في نفس المدرسة العديد من المعلّمات يتجرعن التعب ومغبة التأخير ظلماً وهن يهرولن للتوقيع على كشوفات الغياب والحضور خوفاً من الخصومات وهن تحت ضغوطات الحياة المنزلية والأسرية كالحمل والولادة وبُعد المنزل عن المدرسة، فما الذي يحدث لتعليمنا يا وزارة التربية والتعليم؟!
ألا يعد هذا منتهى الإهمال حينما يتقاضى معلمونا رواتبهم من خلف جدار أو مرض، المشكلة باتت أكبر من كونها إهمال، خاصة وأن هناك أطرافاً في مكاتب التربية والمدارس لهم مصالح في أن يظل المعلم مشفراً وأذكر منها الخصميات التي يتهافتون عليها نهاية كل شهر!
من جهة أخرى منذ متى كان التعليم يستحق التشفير، أليس التعليم هو الأداة واللبنة الأولى لبناء جيل قوي مثقف وواضح النشوء والملامح لا جيل مشفر، ومادام أن هناك تعليماً مشفراً ومدرسين قابعين في منازلهم فلما تشكو بعض المدارس من نقص أو عجز بالمدرسين لبعض المواد الدراسية وما هذا الإخلال إلا فساد تعليمي واضح وبحاجة إلى معالجة سريعة قبل أن يتشفر المعلمون جميعاً ويبقى الطالب وحيداً في مدرسة طول بعرض!
هي رسالة للمعنيين في الوزارة في متابعة مدارس الجمهورية عبر مكاتب التربية والتعليم بالمحافظات والبحث عن الأسماء المشفرة في قوائم المدارس وكشوفات الرواتب الخفية وفك تشفيرها وإخراجها للضوء ليظل التعليم مهنة شريفة نظيفة يلاقي فيها المعلم ثمرة جهده وتعبه في وجوه طلابه لا من وراء أبواب !
أحلام المقالح
التعليم المشفّر ! 2019