في الواقع الديمقراطية كمنهج لا يوجد لها أنواع أو درجات وإذا ما ارتضينا بها فلا بد أن نمارسها كما هي كل لا يتجزأ.. حتى تأتي نتائجها سليمة.. خالية من العيوب والشوائب.. لكن الواضح هذه الأيام وعلى مستوى الساحة العربية أن هناك قصوراً في فهم الديمقراطية والممارسة الحقيقية لها.. فالكل تقريباً يدعي أنه مع الديمقراطية ويظهر حماساً شديداً لها.. وما إن تأتي لحظة الحقيقة وتوضع القوى السياسية أمام اختبار حقيقي فسرعان ما ينكشف المستور وتتجلى الصورة.
فما إن تتيقن بعض تلك القوى التي لا تمتلك أي رصيد شعبي وجماهيري أو ما يمكن تسميتها بالقوى الصفرية أن نجاح العملية الديمقراطية لن يأتي في صالحها.. فإذا بها تختلق الأعذار والحجج وتضع الشروط للتهرب من خوض الاستحقاق وتعطي لنفسها الحق لتحدد سلفاً من يجب أن يفوز ومن يجب ألاّ يفوز، معللة تصرفها هذا بأن هذا الحزب أو ذلك إذا ما فاز في الانتخابات فسيقصي الآخرين.. غير مدركة أنها بتصرفها الغبي هذا إنما تمارس منتهى الإقصاء، بل هو الإقصاء ذاته، لأنها بذلك تلغي إرادة الجماهير، إرادة الشعب الذي من حقه وحده أن يحدد من يفوز ومن لا يفوز ووحده أيضاً من يدرك ويقدر مصلحته ويعطي ثقته لمن يراه أهلاً لرعايتها.. لذلك نقول لأولئك الذين يرتعدون وتفزعهم الانتخابات بأن عليهم أن يحترموا خيارهم وارتضائهم بالنهج الديمقراطي وعليهم أن يعترفوا بواقعهم وحجمهم الحقيقي وأن تكف الأقلية عن ممارسة الإقصاء في حق الأغلبية تحت حجج ومبررات واهية تؤكد أن هذه الأقلية مازالت تنتقص من وعي الشعوب، ناسية أننا نعيش الآن في القرن الواحد والعشرين ولا مجال لمثل هذه الحجج، فزمن الجهل والاستخفاف قد ولى.
نقول لهم يجب عليكم أن تحترموا شعوبكم وأن تتعاملوا معها أولاً كبشر وثانياً كشعوب ذات حضارة ضاربة جذورها في التاريخ وهي في طريقها لاستعادتها إذا ما سلمت من وصايتكم وتجهيلكم.
عبد القوي العصفور
القوى السياسية الصفرية.. والديمقراطية المشروطة 1638