تكشف الانتخابات في مصر أننا أمام تطلعات مازالت موجودة للنظام السابق، وأن عقوداً من الحكم لا يمكن أن تغادر في يوم وليلة، لتجذر مصالح قوى وتحالف قوى خسرت مع الثورة مصالحها الذاتية، وهي الآن تحاول أن تجد لنفسها موطأ قدم من خلال سعيها الحثيث للوصول إلى سدة الحكم عبر المرشح الرئاسي المتبقي من النظام،ولم يكن ذلك ليحدث لولا التباينات السياسية التي طغت على السطح عقب الثورة مباشرة، والأنانية التي تحلت بها بعض القوى السياسية،والمكايدات التي رأيناها لا تليق بالبعض أثناء الحملات الانتخابية،والتي كان المستفيد منها النظام السابق، ولأن المثل بالمثل يذكر، فالحال في اليمن يتشابه مع ما هو في مصر لدرجة الحافر على الحافر.
وإذاً فثمة ما هو ممكن لأن يطل بقرنيه من جديد ضد الثورة والتغيير، ومن المتبقي من النظام السابق الذي هو اليوم يلملم نفسه عبر القوى المستفيدة منه،ويعمل على إعادة إنتاج نفسه بذات القوى الوصولية،وهو أمر ما لم تدركه بقوة أحزاب اللقاء المشترك فإنها ستجد ما حازت عليه من انتصار قابلاً للتلاشي والتبخر، كما أنه بلا شك يريح النظام السابق ويدفع بذات الاتجاه ولعل واقع التغيير اليوم لا يسر كثيراً فثمة توقف وحالة استخذاء لما هو قائم من لدى المشترك، فيما النظام السابق له رهاناته الكبيرة في العودة إلى ما يطمح إليه وتحقيق أكبر قدر ممكن من الاستفادة من كل حالة تعثر تقع من النظام الحالي،أو من القوى السياسية التي تشكل في تكوينها رديفاً للنظام لا يمكنها التنصل منه مطلقاً، هذا على الأقل ما يتحفز له بقايا النظام السابق ويعمل من أجله بروية وتؤدة وأناة.
وهنا نقول :هل بمقدور القوى السياسية أن تدرك ما هي عليه اليوم.؟وكيف تبني عليه مواقف مستقبلية؟ وهل تقدر على صياغة مستوى من التحالف يقدر على الصمود في وجه التحديات، بل ويفرز ما يحقق له قدراً من الوعي بالراهن؟هل تمتلك القوى السياسية الحية والفاعلة القدرة على صياغة رؤى وتوجهات بمحددات واضحة؟ هل تعي جيداً أهمية المنهج الوصفي في قراءة الواقع بكل مفرداته ومن ثم نقده بقوة ومنهجية للانتقال إلى وضع معالجات صحيحة تتعامل مع الراهن بمسؤولية وانضباطية عالية ومن خلال ممكنات الفعل الثوري السلمي وممكنات النجاح؟ أم أنها ستبقى في ذات المربع الواحد لا تخرج منه تنتظر القادم المفروض عليها غير قادرة على اتخاذ خطوات تلبي طموحات وطن وساحات التغيير؟ الواقع يشير إلى أن ثمة تخشباً لدى (المشترك) وأنه تحول من فاعل إلى منفعل،ومن مبادر إلى متلق، ومن حافزية إلى سلبية، لكونه استخذى للنجاح وتعامل معه بطريقة لا تفضي إلى استمراريته، بل تحول على ما يبدو إلى عبء على صانعيه، ربما لنقص التجربة في الحكم، وربما لتركة من المحبطات كبيرة، وربما لوجود اتكالية ورغبة في التنصل من التزامات القوى لوطن وثورة وساحات، كل الأمور السالفة واردة وممكنة، وكل ذلك يبقى معيباً ما لم تحدث ثورة في مفاهيم الدولة والحكم وتتخذ خطوات حاسمة وقوية لا تراجع عنها تمكن القوى النضالية من أن تنتصر لمعاني وأهداف الثورة الشبابية السلمية، ما لم فإن القادم سيكون غير سار وستجد القوى النضالية نفسها في موقع لا تحسد عليه إن لم تكن أحد أهم معوقات التطور الذي يفقدها انتصاراً ويسلبها تاريخا كادت أن تصيغه لو أنها عقلت جيداً الذي أحدثته وحافظت على الانتصار..باعتبار أن النصر الحقيقي ليس المتحقق، ولكن الحفاظ على النصر والبناء عليه هو الأهم في كل عملية التحولات الثورية التي تمت في العالم قاطبة وليس في اليمن فقط.. والمطلوب هنا الاستفادة من تاريخ الثورات،والعمل بهمة في الانتقال بوعي إلى الممكن من التغيير دونما رغبات ذاتية وأهواء وبحث عن معالجات لا ترقى إلى مستوى التحديات ولا تنتصر للوطن وتعمل على وأد ثورة.
وإذاً يبقى التطلع إلى الأمام معقوداً بمدى القدرة على إحداث تآلف حميمي مع كل مكونات النضال الوطني ومع أيضاً التعامل القوي والأمين مع الثوار الشباب في ساحات التغيير القادرين على إنجاز مستوى رائع في الفعل الوطني الخلاق،ومعقوداً أيضاً الأمر بمدى ما يحقق الرئيس (عبد ربه منصور) من قرارات حاسمة على مستوى الوطن وعلى وجه الخصوص المحافظات التي لابد أن تكون في قلب التغيير ومنه وإليه لا تركن إلى النظام السابق ولا تشتغل عليه ولا تنجز رغباته، فواقع التحديات كبير جداً وأمام المشترك وكافة القوى التطلعية والرئيس (عبد ربه منصور هادي) العديد من القضايا الماثلة والتي لابد من العمل على حلها بروح المثابرة والتجديد والإبداع، وليس من باب إسقاط الواجب، فالنظام السابق وهو يستفيد من أخطائه ويعمل في اتجاه عرقلة مسيرة التغيير هو أيضاً يحاول أن يقدم ذاته عبر قواه الجاهزة ليعود من البوابة الخلفية أو الأمامية، عبر الإنتكاسات والإخفاقات التي قد تنوجد، أو عبر الشعبي العام باعتباره مازال محتوى من قبل النظام السابق الذي يفرض أجندته من خلاله.
وإذاً كيف يمكن معالجة القضايا الوطنية مع تنظيم المؤتمر وفي سدة رئاسته النظام القديم؟ وكيف سيكون الحوار والتحاور مع هذا الذي قامت الثورة ضده؟ ومن يقبل أن يكون طرف الحوار هو النظام السابق من خلال الشعبي العام؟.. هذه قضايا تبقى ماثلة في الذهن، ولابد من استحضارها بدلاً من التواري عنها ووضع معالجات حقيقية لها حتى لا تجد ذات القوى النضالية نفسها في بوتقة الانصهار مع القديم، وتغدو الثورة وفعل التغيير مجرد قبض ريح.
نحن إذاً نشير إلى ما هو قائم وندعو القوى الوطنية لأن تتجاوز راهن التخشب وانتظار (جودو) الذي لن يأتي.. باعتبار أن ممكنات التحول، هي رهن التصميم والإرادة والووعي والثقة المتبادلة بين ذات القوى الوطنية،وهي رهن رؤية منهجية وتوصيف حقيقي مبني على قراءة تبيانية للواقع وليس من مقيل ووجهة نظر هنا أو هناك.. إن كل ذلك ليس سوى منادمة باهتة، والحل يكون في صدقية وشفافية التعامل مع الفعل الثوري النبيل والصادق ونقد التجربة وتقويمها بعد توصيفها،وهو أمر لابد للمثقف العضوي من الاشتغال عليه واستدعائه بدلاً من أن تبقى المعالجات حكراً على عناوين محددة، فالمسيرة مسيرة وطن وليس أشخاص والوطن ملك الجميع والكل فيه شركاء، فهل يعقل الساسة هنا بأهمية النخبوي الثقافي في تقديم تصوراته في عملية البناء والتغيير؟سؤال يكشف عنه القادم القريب ووعي المشترك والقيادة السياسية به، فلقد مضى زمن غير قصير كان المثقف القدرة مقصياً ولا يعتد بآرائه ويحارب بطرق عدة حتى آل الوضع إلى رديء جداً واليوم نحن في أمس حاجة للمثقف القارئ المتمكن القادر على رسم معالم القادم الواعي بالراهن والمتمكن في تقديم حلول واستنتاجات من منهجية وتخطيط ودراسات على كافة المستويات لوضع أنجع المعالجات وليس سوى الشراكة أولاً بين الفكري النخبوي والسياسي،وإن كان بينهما تلازم فثمة فواصل شفيفة تدعو للتعامل معها....لا رد إعادة توجيه.
محمد اللوزي
الانتخابات المصرية.. وما يجب أن يستحضره المشترك 2382