يومان تاريخيان عظيمان في حياة المصريين، حيث أنهما ليس كسائر الأيام العادية التي تمرعليهم بشكل طبيعي، ولكنهما يومان استثنائيان في حياة الشعب المصري، اليوم منهما بمفرده كحقبة كبيرة من الزمن، فبهما ومن خلالهما سيحددون مستقبلهم في شتى المجالات السياسية والاقتصادية والخارجية وغيرها، حيث يتوجه اليوم السبت وغدا الأحد 16ــ17 يونيو حزيران الجاري ما يزيد على خمسين مليون ناخبا وناخبة إلى صناديق الاقتراع في الانتخابات الرئاسية بجولتها الثانية التي يخوض سباق الركب والفروسية فيها مرشحان احدهما الدكتور(محمد مرسي ) رئيس حزب الحرية والعدالة المنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين التي كانت محظورة في عهد الرئيس المخلوع مبارك والتي تُعتَبرُ احد أبرز مكونات ثورة 25 يناير2011م والثاني الفريق احمد شفيق الذي ينتمي إلى بقايا فلول النظام القديم التابع للرئيس المخلوع ( مبارك) وذلك بعد أن سقط من ركب الجولة الأولى د/ عبد المنعم عبد الفتوح وحمدين صباحي وعمرو موسى وغيرهم بينما حاز على المرتبة الأولى بالفوز د/ ( مرسي) وتلاه شفيق وقررت لجنة الانتخابات إعادة الاقتراع من جديد في جولة ثانية بين المرشحين (مرسي وشفيق) ويأمل المصريون الأحرار وإلى جانبهم الشعب العربي أن تضع الانتخابات الرئاسية نهاية لحالة الاضطرابات السياسية والتدهور الاقتصادي والإختلالات الأمنية التي بدأت منذ ما يزيد على عام ونصف وتزامنت مع بداية الثورة المصرية في يناير من العام الماضي، حيث كان النظام القديم قد أفسد حياة المصريين في جميع المجالات وقضى على القيم والأخلاق والمروءة وباع القضية الفلسطينية وتآمر على غزة وحاصر سكانها حتى من لقمة العيش ومن الغذاء والدواء وجعل معبر رفح بوابة سجن للفلسطينين.
إذن فمن حق المصرين أن يعيشوا هذه الأيام حالة استنفار قُصْوى في جمع أصوات كل من بلغ السن القانوني للإدلاء بصوته لمرشح الثورة والداعي إلى الحق والحرية والعدالة والمساواة والتعددية السياسية وعدم الإقصاء والحظر والتهميش، والداعي أيضاً إلى الحكم الرشيد وإلى إعادة محاكمة المخلوع والمتورطين معه في قتل الثوار من أركان نظامه لاسيما وأن الجولة الثانية منحصرة بالتنافس بين اثنين لا ثالث لهما مرشح الثورة ومرشح بقايا النظام القديم، وإذا كان عدد الناخبين المقيدين في جدول قيد الانتخابات يزيد عددهم على خمسين مليون وتخلف عدد منهم ليس بالقليل عن الإدلاء بأصواتهم في الجولة الأولى لسبب أو لآخر، فإن الظروف الراهنة والجولة الثانية والأسباب مجتمعة تستدعي منهم المشاركة جميعاً بالعملية الانتخابية والعرس الديمقراطي لعدة أسباب، منها أنها (أول) انتخابات تنافسية حقيقية في حياة الشعب المصري شاركت فيها جميع القوى والأحزاب السياسية والسبب الثاني أن السباق فيها بين ممثل النظام القديم ذاك الذي لم يقتصر شره وفساده وطغيانه وبلطجيته ووزره على مصر فحسب بل تعداها إلى العالم العربي وبين ممثل الثورة والشعب المصري الحر وأصبح المصريون أمام خيارين (أبيض أو أسود) ما بين الثورة التي ضَحّى الشعب من أجلها بدماء الشهداء وآلاف الجرحى أو عودة النظام القديم البائد المشوه وما من شك بأن المصريين سيختارون البياض الناصع لا اللون الأسود والظلام الدامس المدعوم من رجال أعمال وعملاء يتبعون النظام القديم ويسعون لإعادة إنتاجه من جديد ولكن هيهات لهم ذلك وإذا كانت نسبة المشاركين في الجولة الاولى 50% من مجموع الأصوات فإن المتوقع أن تكون نسبة المشاركين في الجولة الثانية ما يزيد على90% وسيحصد مرشح الثورة (رئيس حزب الحرية والعدالة) معظمها وعلى الأغلبية المريحة والنجاح الباهر، لأن نجاحه ليس لثورة مصر فحسب بل للأمة العربية بأكملها ولو أهمل المصريون الأحرار ونشط غيرهم من بقايا الفلول والعملاء واستخدموا ما بيدهم من سلطة ومال ونفوذ وتعاون معهم جنرالات المجلس العسكري الذي ينتمي إليهم الفريق شفيق مرشح المخلوع مبارك واستطاعوا بالوسائل غير المشروعة والمضللة والتزوير قلب الكفة إلى صالح (شفيق) فستكون الكارثة على الشعب المصري وستقوم ثورة جديدة عارمة أكثر قوة وشراسة مما شهدته مصر أيام مبارك في ثورة 25/يناير، لأن الأنظمة الدكتاتورية لم يعد لها قبول لدى الشعوب ولا بقاء مهما غيّرت من أشكالها، لأنها نشأت وتربت على الظلم والقهر والاستبداد والمثل المصري يقول: (المتعوس متعوس حتى لو وضعوا فوق رأسه فانوس )فنجاح شفيق سيحقق مكسباً كبيراً للغرب ولإسرائيل أكثر مما حققه لهم مبارك بدليل ما قاله الوزير الإسرائيلي السابق شلومو بن عامي حيث عبر بالقول: (إن شفيق لو أصبح رئيساً لمصر فسيمثل بالنسبة لإسرائيل كنزاً استراتجيا أكبر من مبارك) وما دام وشفيق يمثل هذه الخطورة الكبرى فان المراقبين للشأن المصري قد حذروا من مقاطعة الانتخابات أو إحراق الأصوات، لأن ذالك سيَصُبُّ في مصلحة شفيق وسَيَسْخَرُ العالم بالمصريين ويَتَذَمّر منهم ويحتقرهم، لأنهم ثاروا على نظام مبارك الفاسد ثم أعادوه من جديد نتيجة الانتخابات الرئاسية في جولتها الثانية من شأنها أن تحدد توجهات السياسة الداخلية والخارجية لمصر خلال السنوات الأربع المقبلة، والمصريون إما أن يقفزوا بمصر قفزة نوعية أمام العالم تزيل عنها التشوهات الخارجية والوجه القبيح الذي اكتسبته من النظام القديم أو تعود إلى ما كانت عليه في ماضيها الأسود المظلم والعميل، لكن بوادر الخير والعزة والكرامة التي يتمتع بها المصريون اليوم قد ظهرت من خلال نتائج الجولة الأولى التي فاز بها مرشح حزب الحرية والعدالة كرئيس لمصر العروبة والتاريخ، كما ظهرت أيضاً بعد صدور حكم الإدانة لمبارك ووزير داخليته حبيب العادلي ومعاقبتهما بالسجن المؤبد، فَصَحَىَ النائمون ونشط الكسالى وتنبه الغافلون وأيقنوا أن الأمر خطير جداً، فتعاهدوا جميعاً على الوقوف صفاً واحداً في اختيار مرشح الثورة في الجولة الثانية من الانتخابات، مضيفين بأن اختيار شفيق هو اختيار للنظام القديم ولمبارك المخلوع، وقد صرح الأخ احمد ماهر رئيس حركة 6 ابريل بالقول : ( إن حركته كانت بين خيارين لا ثالث لهما الثورة أو النظام القديم وأنه لا ينكر أن الإخوان إحدى القوى الفعالة التي شاركت في الثورة ولذلك قررت حركته دعمهم ودعم مرشحهم مرسي)، وكأني الآن وأنا أكتب هذا المقال أجد نفسي وأنا أسمع رؤساء دول العالم العربي والأجنبي في القنوات الفضائية يباركون لمرسي نجاحه رئيساً لمصر العربية ويباركون للشعب المصري نضاله ونجاح ثورته وتحقيق أهدافه واختيار رئيسه؟. وإن غداً لناظره قريب.
أحمد محمد نعمان
اليَوْمُ وَغَداً يَصْنَعُ المَصْريِونَ مَجْدَهُم!! 2099