بدون وجود ربان لا تسير السفينة في اتجاهها الصحيح وربما لن تصل إلى وجهتها المبتغاة ولهذا كان للسفينة دفة وربان وفنار وأشرعة ومرافئ.
وللحياة أيضاً دفة وربان لا يمكن أن تسير الحياة بدونهما مهما كانت قوانين الطوارئ في حياتنا متقدمة وتسبق عصرها كيفاً وكماً، إنهما الكتاب العظيم والسُنة المظهرة ولهذا نقول بعلاقة الدين بالحياة، لأن الحياة سفينة ربّانها هذا النظام الإلهي الذكي والفعال الذي نظم حياة الناس وفق شرائع ملائمة تماماً لكل الطبائع.
الدين والحياة مترادفتان حيويتان وبدون إحداهما تفقد الأخرى معناها وقيمتها، حتى تتحول كل منهما إلى مفردة مجهولة في غياب الأخرى، علاوة على أن كلاً منهما تشرح الوجود الفلسفي للأخرى وتعمق آلية شيوعها وانتشارها.
يمتزج الدين بالحياة امتزاجاً عميقاً بحيث يبدو الدين مغلفاً بحيويتها وتبدو الحياة مغلفة بتوابته ومتوجة بمرونته، وهكذا يكون كل منهما لباساً للآخر بل ويعطي كل منهما مذاقاً للآخر.
ومن المؤسف أن تظهر على سطح المجتمع الإنساني طفرة بشرية ملوثة بأفكار استشراقية غاية في البلادة والقبح، تحمل مضامين إستهلاكية مستوحاة من ثقافات أجنبية فتحت الباب على مصراعيه أمام الكهنوت الديني، فعبدت كل ما دون الواحد القهار ورفضت كل فكرة تدعو إلى وحدانية الخالق، وهذه الثقافات تمجد عالم الذاكرة وتعظم مفاهيمها وتدعم تطبيقها على أرض الواقع على أساس أنها نتاج إنساني بحت ليس للقدر فيها يد أو إرادة، بل إنها تُعرض كسلوكيات متطورة يلعب العلم الدور البارز في تصنيفها وفق سلّم إدراكي مبني على قدرات عقلية فذَة "بتشديد الذال" أو خارقة هي في نظر الغرب أعجوبة أو إعجاز أو أسطورة، لكنها لدينا نحن المسلمين أدلة واضحة على مصداقية القرآن الكريم الذي قال فيه تعالى: (وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً) صدق الله العظيم.
إذاً فكل ما كان وما سيكون في هذا العالم من قوة معرفية قاهرة وداحضة للجهل والغموض هو قليل من العلم منّ الله به على عباده حتى تسير أمور حياتهم وفق نظام معين يناسب احتياجاتهم وقدراتهم على استيعاب ما يحيط بهم من أحداث طبيعية أو بشرية وفق حقائق الكون المدرجة سلفاً في شفرة الحياة منذ أن كان آدم وكانت الأرض.
الدين توأم الحياة الذي لا ينفصل عنها وهو كرت التعريف الذي يجعل أحداثها صوراً عابرة في الذاكرة البشرية وهو أيضاً صوت العقل والضمير الذي يحكم السلوك الإنساني ولولا أهمية ارتباطه بحياة البشر ما كان هناك أنبياء أو رُسل ولا كان هناك كتب وألواحُ وشرائع واجتهادات، وإنما خلق الله الإنسان والدين كمعادلة اكتمل وزنها حين أصبح هناك جنة ونار ومستقر وقرار.
الدين والحياة، مشروع وأداة، إرادة وغاية، بداية ونهاية، أسلوب ووسيلة، ولهذا من المستحيل أن ينفصل الدين عن الحياة، لأن في كلاهما تكمن روح الآخر وتستقر ديناميكيته ومن هنا كان ذلك التواؤم بين هذا وذاك في شكل اتفاق إنسيابية منبثقة من قاعدة إنسانية واحدة.
ألطاف الأهدل
الدين والحياة، قصة التواؤم 1794