يبدو من خلال الأزمات التي مرت وتمر بها الرأسمالية اليوم أنها قد خذلت المجتمعات عبر قرنين من الزمن وعجزت عن التصدي للتحديات الراهنة.. هناك من يرى أن دور الحكومات هو عدم التدخل وإطلاق يد السوق وهناك من يرى أن دور الحكومات يتمثل في إنعاش الاقتصادات تمهيداً لصياغة قواعد تعيد الطريق أمام نجاحات مستقبلية، والتحدي الأبرز هو تحدٍ سياسي تواجهه الرأسمالية.
النموذج الرأسمالي يحض على اتخاذ قرارات قصيرة الأجل تتجه إلى جني الأرباح الفصلية عوض الاستقرار البعيد الأمد، وغلبت كفة امتيازات البنوك العملاقة وأقطاب النفوذ على المصلحة العامة، وغالباً ما تبقى الثروات في أيدي من لا يستحقها، ومعالجة تقلص مداخيل الطبقة الوسطى في البلدان الرأسمالية تقتضي حلولاً جذرية لمداخل هذ الطبقة، وفي مقدور حكومات تلك البلدان إرساء قواعد لتحفيز الأعمال الإنتاجية التي تستثمر وتبتكر وتدرب العمال وتصنع منتجات فعلية أو خدمات وتبيعها.
وثمة حاجة إلى قواعد تثني عن السلوك الجشع وتقيد يد الطامعين إلى جني الأرباح السريعة عن طريق وضع اليد على الشركات والشركات المساهمة من غير الاكتراث بالاقتصاد ومصالح أصحاب الأسهم والعمال.
إن تخطي حدود أو آلية الدين أفضى إلى الانهيار، وهي ظاهرة ترسخ ما هو وراء اندلاعها، ففي اليونان ضعفت ثقة الناس في العملة فسارعوا إلى سحب أموالهم من البنوك، فتزعزع القطاع البنكي، الأمر الذي أدى إلى سحب الناس المزيد من ودائعهم، وهذا ما أدى إلى الانهيار الذي يعرف بأنه عجز المجتمعات عن تلبية حاجاتها الأساسية: الغذاء والطبابة والتعليم والأمن.. هناك احتمال توقف عجلة النمو العالمي، حيث يعود التوقف إلى دينامكية النظام وعوامل خارجية مثل أسعار موارد الطاقة، فالإنتاج النفطي تجاوز عتبة ذروته وسوف يبدأ بالانحسار، ولا يتوفر بديل للنفط في تشغيل وسائل النقل البري والجوي وشطر من مشكلات الغرب الاقتصادية مرده إلى أسعار الطاقة، وفي العقدين المقبلين سوف يشهد العالم ثغرات سياسية وبيئية واقتصادية وتكنولوجية تفوق تلك التي عصفت به طوال قرن، والتغييرات هذه لن تكون سلمية وهادئة.
منذ انفجار أزمة الديون السيادية أصبحت مسألة ضبط الرأسمالية وتنظيمها ثانوية قياساً على المسألة التي تصدرت المسائل الأخرى كلها وهي صمود الديموقراطية، وبالرغم من انعقاد القمم الدولية لا تزال أوروبا قارة العولمة المريضة، ولا يزال وفاضها خالياً من إستراتيجية منطقية تعالج اليونان العاجزة عن سداد ديونها، وتتصدى لتقليص الديون العامة والبقاء في تقوقع الانكماش.
هامش:
1. الحياة العدد "17757" 16/11/2011م
2. الحياة العدد "17834" 1/2/2012م.
3. الحياة العدد "17960" 6/6/2012م.
4. الاتحاد العدد "13477" 29/5/2012م.
د.علي الفقيه
هل من سمات الرأسمالية النمو الاقتصادي المنفلت؟ 2077