قامت الدنيا ولم تقعد حين انتشر خبر طفلة عصر كما أسماها الإعلام، موجة خوف عارمة سادت في أوساط الأسر وبدأت الفتيات يشعرن بأنهن عرضة للاختطاف والاغتصاب في أي لحظة، شعرت المنظمات الحقوقية أن هذه القضية بمثابة الدجاجة التي تبيض ذهباً أو ستبيض لاحقاً، وبدأ الإصرار على "أكشنة" القضية ونشرها تحت عناوين كثيرة وبدأت القصص الخيالية، وضاعت القضية الحقيقية بين رجلين، رجل الإعلام ورجل الحقوقيين..
المتهمون هم من أصحاب السوابق ولديهم ملفات كثيرة في أقسام الشرطة والنيابات والسجون، ولكن يبقى ورائهم آباء يدفعون الملايين، لشراء البراءة، أما الفتاة فهي شخصية مجهولة عمرها في حدود العشرين السنة، لم تمت ولم يقض عليها، ولم تثبت قضية اغتصاب في حقها، كنت استمع وزملائي للشهود وكلهم يتفقون أنهم رأوا فتاة شابة مع ستة أو سبعة شباب بين الساعة الرابعة والسادسة صباحاً، يرافقهم دباب مكشوف ومفروش، كانت الفتاة تصرخ وحين يذهب الشهود إلى مكان الصوت تصمت الفتاة ويتحدث الشبان، فيحدث الشهود أنفسهم "هؤلاء كلاب وهذه حذاء" ويعودون أدراجهم.
أقحمت في القضية فتاة بريئة براءة الذئب من دم يوسف، وجرجرت في الأقسام والنيابات وتعرضت للفحص لإثبات عذريتها وعدم تعرضها للاغتصاب.
هذا في حد ذاته جريمة أخرى وإرهاب نفسي، وجه بتعمد إلى هذه الفتاة..
كان الإعلام قد تحدث عن فتاة وجدها طلاب أحد مدارس حارة الأنسي غارقة في دمها، وحملها إلى أهلها ثم توفت بعد أن أثبتت التقارير أنها تعرضت للاغتصاب من قبل ستة أشخاص عرفت هوية بعضهم، ولكن هذه الرواية كانت عبارة عن كذبة كبيرة، أفزعت الناس وأقلقت أمنهم.
ما تزال ملابسات هذه القصة ولن أقول الجريمة؛ غير مفهومة لأنه لم توجد فتاة في المدرسة ولم تمت طفلة إثر اغتصاب، كل ما أتمناه أن يكف الإعلاميون والحقوقيون عن إثارة الزوابع والتأني والبحث الدقيق عن الحقائق..فالناس في هذا البلد يحتاجون إلى الأمان أكثر من أي شيء آخر..
غادة العبسي
طفلة عصر كذبة سوداء.. 2119