كنا قد وصلنا في مرحلة من مراحل إعجابنا بالغرب حد الانبهار المؤدي إلى تقبل كل ما يأتينا منهم دون تفكير أو وعي أو تنقية أو تمحيص، ثم وصلنا إلى مرحلة التقليد الأعمى لكل ما نراه منهم ولكل ما يفعلونه حتى أصبحنا نستنسخ كل أعمالهم وثقافاتهم، قوانينهم وبرامجهم وصرنا نستقي منهم ثقافتنا ولغتنا وحتى لبسنا وأخلاقنا وتعاملاتنا.
تحولنا من بلدان مصدرة وفاتحة وناشرة للدين والحق والعدل والثقافة والعلم إلى دول مستوردة لكل شيء صغير كان أو كبيراً لأننا ببساطة تقبلنا فكرة أننا دول نامية فقيرة عاجزة عن التطور والنهوض وتغيير واقعها، رضينا بحياة الاستكانة والراحة وإن كانت مزيفة، فيكفي أن يكون للشخص عمل أياً كان وراتب يأكل منه ويشرب وينام، أو بالأصح ليسهر ليله الطويل أمام شاشة تهديه صورة سهلة للحياة وسر السعادة فيها، ألا وهو الحب والعشق والهيام ممنوعاً كان أو محرماً جائزاً أو غير جائز، لا يعني ذلك له شيء ما دام أنه يمنحه لحظات خيالية تشعره أنه لا ينقصه شيء سوى أن يقضي عمره يبحث عن حبيبة تغير معه الكون.
وهكذا ضاع الشباب والشابات والرجال والنساء وضيعنا ديننا ونسينا سبب وجودنا على هذه الأرض وهو عبادة الله وبناء أرضه ونشر دينه، ثم الاستعداد ليوم فيه السعادة الحقة الأبدية.
أهم ما أنتجته الثورات العربية في اعتقادي ليس فقط الإطاحة بمن كانوا أذرع الغرب وسيوفهم المسلطة على رقاب الأمة، أولئك الذين حكموا وظلموا وفسقوا وتجبروا وأضاعوا الدين والدنيا، لكن الأهم هو أن زيف الغرب ظهر لنا جلياً في هذه الظروف الحالكة وانكشف زيف عدالتهم وظهر كم أن حضارتهم وثقافتهم هشة ودنيئة وإن كانوا ألبسوها مصطلحات براقة سحروا بها الأعين وسلبوا بها العقول، وعرفنا الآن كم كنا بلداء حين صدقنا أنهم يعملون لأجل سلامة وسعادة الإنسانية جمعاء وبدا واضحاً أن كل ذلك لم يكن سوى غطاء وطريق خفي يمرون منه خلسة ليصلوا إلى غاياتهم وتحقيق مصالحهم ليسلبوا خير الأمة ومواردها وحتى عقولها المستنيرة، فيحيوا هم ببذخ ورفاهية ونظل نحن في تخلف وفقر وتناحر.
وربما أن أهم ما ساعدهم في تحقيق مخططاتهم وساهم في إنجاحها هم من يفترض بهم أن يكونوا ثلاثي الخير إن جاز لي تسميتهم بذلك وهم الإعلام والعلماء والمعلمون.
فالأول وهو الإعلام، فحين أصبح الكون قرية واحدة وفتحت الفضاءآت على مصراعيها، صار ينقل لنا كل ما هب ودب ويستنسخ كل رذائل الغرب وينقل لنا كل سيئاتهم دون حسناتهم ويصرف في سبيل ذلك أموالاً طائلة لو سخرت في طريق صحيح لكان حالنا مختلفاً تماماً ويحشو عقول الشباب بأفكار وأخلاق ليست من ديننا في شيء وكل ذلك تحت مسمى الحرية والانفتاح والتطور وإن ظهر من يحاول أن يصحح أو يعترض قالوا عنه مسلم متخلف ومعقد.
الثاني وهم العلماء كانوا سبباً في ضياع الأمة وإن بغير قصد حين انزووا جانباً وتركوا مهمة النصح والإرشاد وإظهار الدين والجهاد في سبيل ذلك وإن كان ليس بالمهمة السهلة، لكنه كان واجباً عليهم القيام به وإن كلفهم أرواحهم، فهم ورثة الأنبياء وحاملو دين الله، لكن خوفهم ترك للناس فرصة أن يعبثوا بتعاليم الدين وينسونها أو يتناسونها لحين تماشياً مع ما يسمى موضة العصر ومتطلباته وظهر المتدينون على أنهم إما إرهابيون لا يعرفون سوى لغة السلاح وإما مساكين منزويون على حالهم.
الثالث وهم المعلمون والتعليم بشكل أدق، فمن مناهج رديئة وهزيلة تساعد على انتشار الجهل أكثر من أن تمحوه إلى معلم جاء نتاج هذه المناهج، لينشر جهله وعقده على تلاميذه فلا خلق ولا علم ولا دين في أغلب الأحوال لتنشأ أجيال بعقول مفرغة مشتتة ضالة سبيلها لأن المعلم قدوة أولاً ومربٍ ثانياً، فهو يرسم في ذهن الطالب ما شاء من أخلاق ومعتقدات وطموحات وآمال ويرسخها فيه حتى يخرج للحياة ولديه أهداف تملأ فكره وقلبه، فيكون محصناً ضد آفات الفراغ والجهل، حينها لا يستطيع أي كان السيطرة على عقل استضاء بنور العلم والدين الحق.
في الأخير أقول إن ما يجري لنا في بلاد المسلمين قد يكون والله أعلم تطهيراً لنا لما اقترفناه في حق أنفسنا من ظلم وضياع وفساد وتوهان عن طريق الحق وما ارتكبناه في حق ديننا من نسيان وإهمال سواءً في تعلمه أو في تطبيق شرائعه، ناهيك عن نشره ودعوة الأمم إليه.
فعسى الله أن يردنا إليه مرداً جميلاً ويصلح أمور المسلمين ويؤلف بين قلوبهم ويزيل الغشاوة عن أعينهم، فنحن قوم أعزهم الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله.
جواهر الظاهري
حين أضعنا ديننا.. أضعنا أنفسنا 2004