شارع عريق في مدينة تعز كان في يوم من الدهر يدعى شارع الحب ..
على جانبي الشارع تتراشق العديد من المحال التجارية العريقة , مطاحن البن اليمني تفوح منها رائحته الزكية التي تنعش النفس , ومخازن كبيرة للمواد الغذائية , ومحال الصرافة ..
وسط المدينة الجميلة "تعز" مررت ذات صباح أبحث عن مصرف معين لأستلم منه حوالة ..مر زمن طويل منذ مررت بهذا الشارع .. عقد من الزمن ,ربما أكثر .
كانت الساعة العاشرة صباحاً سالت أحدهم أين صرافة؟
أشار لي نحو منعطف لشارع فرعي هو هذا الشارع المنبعثة منه رائحة الزمن ..في البدء كان شغلي الشاغل قراءة اللافتات لأصل إلى بغيتي وأعود أدراجي سريعاً.. بعد قليل ستستعر حرارة الشمس في هذا الصيف اللاهب. لكن ما إن وقع بصري عليهم حتى ذهلت عن حاجتي ..شيوخ وكهول يفترشون الأرض ويلتحفون أغطية ممزقة وبعضهم يلتحف السماء وأسمال بالية تظهر من جسده أكثر مما تخفي !
يتوسدون الأحجار , وينامون على أوراق الكرتون ..ورجل في منتصف العمر في وسط الشارع يقلب أكوماً من الزبالة على الجزيرة بين الشارعين ,يبحث عن لاشيء ..مآقيه تنطق بمعاناة طويلة مع الجوع مررت بينهم بخطى متعثرة .. إنهم كثر !!
ثمة أشخاص يجلسون بجوارهم , ليسوا منهم , بدوا مختلفين.. اقتربت من أحدهم وسألته ماذا يفعل هؤلاء هنا؟!
رماني بنظرة عجب وضحك ضحكة الساخر وقال : عادي هذا بيتهم !
قلت وأنا أرمي ببصري نحو ذلك المجنون: أكلهم مجانين ؟ صمت وقلب ناظريه فيهم ولم يجبنٍ!
قلت :إذن عجزة ولا أهل لهم ؟
قال بتأفف : مجانين وعجزة وانصرف عني ..
جميعنا قد يرى أحد المجانين يفترش حافة الطريق وقد يرى عابر سبيل يتوسد حجراً.. أو شيخاً هرماً متشرداً لا مأوى له في بعض الأحايين
لكن ليس مجمعاً للمتشردين في قلب المدينة !!
أكثرهم من كبار السن !!أليس لهم أهل ؟ أليس من حقهم أن يكون لهم مأوى يقيهم لذع الجوع وحر الصيف وبرد الشتاء ؟
أي وطن هذا الذي يأكل شيوخه ؟
تأكلهم نيران الوحشة وألم الحاجة وذلة المسكنة ولهب الشمس وقريض البرد ...وقسوة العقوق .
رأى عمر بن الخطاب يوماً يهودياً هرماً يتسول في طرق المدينة فسأل ما شأنه ؟ قالوا يهودياً لا عائل له فقال عمر: لا خير فينا إن أكلنا شبابهم وتركناهم في شيخوختهم ,ثم جعل له ولأمثاله سهماً من بيت مال المسلمين .
نبيلة الوليدي
وطن يأكل شيوخه!! 2188