طاخ .. قاح .. بُم .. أصوات وقرت طبلة الأذن واستوطنت ذهن الكثير من أجيال الثورة والوحدة وفك الارتباط وتقرير المصير، لاشيء لدينا غير بندقية كلاشينكوف وقذيفة آر بي جي وحشوة ديناميت، كأن الضالع لا مكان فيها أو فضاء للفرحة والبهجة والحب والجمال والأمل ! إنها بديهية لا يستلزمها ذكاء وحدس ؛ فطلقات الكلاشينكوف ليست إلا تعبيراً عن عجز الكلمات، قول أطلقه المفكر د. فرج فوده قبل أن يسكت خفقان قلبه رصاص الإرهاب .
أسأل وبحسرة وألم : أين الشاعر الغنائي الجميل احمد سفيان ؟ أين الصوت الضبياني وأين الباله الشعبي ؟ كيف غادر هذه البلاد إلى جامعة كوريا الجنوبية ينبوعها المتدفق بلاغة وفلسفة الدكتور عبد الكريم قحطان؟ كيف هاجرت البلابل وكيف توقفت الحمام عن هديلها وكيف تعالى نعيق الغربان ؟.
لماذا صديقي الشاعر البديع والناقد الفذ الدكتور/ محمد مسعد العودي لم يجد متسعاً لشعره وأدبه سوى ساحات التغيير وخيام الثائرين ؟ لماذا قصائد الرائع محمد جعاش – درويش الضالع – في معطفه وذهنه دون أن يتاح له نشرها في ديوان ؟ لماذا توارت تجليات الشاعر الرقيق صالح حمود عن صفحات الجرائد والمجلات الثقافية؟ لمن سيطرب ويشدو الفنان سالم عبد القوي؟ ومن سيفهم نثرك يا دكتور احمد عبد اللاه ؟ من سيقتني كتب هيئة الكتاب وصاحبها الشاعر عبد الباسط الرويني؟ من سيفك شفرة لوحاتك الفنية أيها الرسام الساخر عبد الرحمن البيضاني ؟ من سيكتب عنك أيها النجم الاستثنائي احمد علي سعد ؟ من سيأتي لمواعظك وخطبك يا شيخنا الجليل المحترم محمد بن محمد الفقيه؟ من سيكترث للعقول النابغة في زمن طغيان العجول المتعجرفة؟.
قبل أيام فقط أرادت إحدى المنظمات تنظيم حلقة نقاش عن الوحدة ومشكلاتها ؛ داخ صديقي الشاب/ رائد علي شائف سبخ دوخات بحثاً عن ورقة بحثية ! قبلها بفترة وجيزة قدر لمنظمة الاشتراكي استضافة القيادي والمفكر عبد الرحمن السقاف الذي بحق يمثل موسوعة فلسفية ومعرفية وسياسية وأكاديمية قلما تعثر عليها في وقت كهذا، الندوة رغم قيمتها وأهميتها كان حضورها لا يتعدى أصابع اليدين .
في يوم آخر حضرت حفل تأبين، فكانت دهشتي من ذلكم الصراخ والصخب والتصفيق الذي حظي به صاحب الخطاب الغوغائي الفوضوي، خيل لي أنني استمع إلى الثائر تشي جيفارا ؛ بل لا أخفيكم أنني تذكرت خطب الراحل ياسر عرفات الذي عادة ما كان ينهيه بجملة ملهبة حماسية : (وإنها لثورة حتى النصر ) مأتم حزين ؛ فكيف صار تصفيقاً وصخباً؟ لا أعلم .
لدينا الكثير لنقوله لثورات الربيع العربي، ولدينا الكثير من الوسائل ؛ لنعبر فيها عن موقفنا من الحوار الوطني، ومن القضية الجنوبية، ومن مجمل القضايا الوطنية والعربية والدولية، ولدينا من السياسيين والمثقفين والمؤرخين والباحثين والنابغين وووالخ .
ومع كل ما تمتلكه الضالع من مواهب وإبداعات وقامات علمية وثقافية وإبداعية ومجتمعية وفكرية ؛ مازالت أسيرة البندقية والرصاص، للأسف الضالع ومحيطها الجغرافي تذكرني بمنطقة سييرا ما يسترا المنطقة التي انطلقت منها الثورة الكوبية سنة 1957م ضد نظام باتيستا.
لا أدري ما جدوى لغة السلاح وفي لحظة تاريخية فاصلة يستلزمها أفكار ورؤى وحوار؟.. نعم الواقع معقد وبائس ومعتم، لكن ذلك لا يعني بأن الحل الناجع سيكون بمنطق العنف المنبوذ اليوم وطنياً وإقليمياً ودولياً، فالبندقية والرصاص ربما مثلت لثوار الأمس أداة مثلى لطرد المستعمر البريطاني من جنوب اليمن، اليوم أثبتت الثورات السلمية أنه بمقدورها إسقاط أعتى الطغاة والجبابرة، إننا لن ننتصر باقتفاء اثر الآباء وبسلاحهم ومنطقهم، فمثل هذا المنطق أظنه منافياً للتاريخ والعقل والواقع .
لذا يجب وقف حالة الاستقطاب للشباب العاطلين والمراهقين، فمثل هذه الأفعال العنيفة قد تجد من يدعمها ويغذيها ولو لبعض الوقت، لكنها وبكل تأكيد لن تفضي بنا لحل عادل وناجع، ففي النهاية ينبغي لنا فهم وإدراك حقيقة أن حال الزمن وناسه وإيقاعه تبدل، فلم يعد هناك ثمة حاجة لقنوات وصحف تشييع أنباء القتل والخوف والرعب اليومي للنساء والأطفال وللحياة عامة .
لا توجد طريقة أفضل من إشاعة لغة الحوار والسلام والتسامح والعلم والمعرفة والتنمية والاقتصاد والاستقرار والندوات والصحف والقنوات والأحزاب والثورات والانتفاضات والحركات السلمية وغيرها من مفاهيم ومفردات العصر الراهن .
محمد علي محسن
طاخ .. قاح .. بُم 2386