عندما ضرب موسى عليه السلام البحر بعصاه فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم، شاهد فرعون وجنوده هذا الأمر العظيم(لاحظ وجنوده،وتذكرها وجنوده) فاستخف فرعون بهم واندفعوا معه في عمق البحر، غير مكترثين بهذه الآية العظيمة ولا حذرين من مكر الله عز وجل، لم يفكر الطاغية ولا الأتباع من الجند أنهم يتوغلون في هلاكهم، وهكذا استمر التتابع بين الفريقين فريق موسى ومن معه نحو النجاة، والسير إلى فضاء العافية، والخروج من البحر، وفرعون ومن معه يتوغلون في الهلاك من خلال الملاحقة لموسى عليه السلام ومن معه.
ربما يخطر ببال البعض لو راقب المشهد لحظتها أن انفلاق البحر لموسى عليه السلام ومن معه بواقع جديد لم يقدم شيئاً يدفع الخطر ويمنح النجاة فها هو الفرعون الطاغي يتوغل بكل جنوده العتاة في ملاحقة شرسة تستهدف استئصالهم وانتزاع النصر الذي حققوه من خلال انفلاق البحر، ولكن البحر استوعب فرعون ومن معه كلهم حتى إذا خرج آخر رجل من أتباع موسى عليه السلام من البحر ودخل آخر رجل من جنود فرعون في البحر انطبق عليهم، وهذا درس تاريخي كبير تكرر ذكره في القرآن الكريم مراراً، ولله تعالى فيه حكمة بالغة فما تغني النذر.
لا يستفيد الطغاة مما يقع في حياتهم ولا مما يشاهدونه في واقعهم ولا مما يلمسونه في أجسامهم، ولا ما يحسون به في جلودهم، وكذلك جنودهم لا يفهمون واقعاً مهماً تغير، يستمرون خدماً للطغاة، لكن رجالا أوفياء يصرخون من الظلم في وجه الظالم ويعلنون البراءة منه في اللحظة الحاسمة، وينضمون إلى كتيبة الحق، وينضوون في جيش الخير، وهكذا فإن مؤمن آل فرعون صورة تتكرر في كل العصور، لا يرضون بالظلم ولا يقبلون المساومة على دماء الشهداء، ولا يركعون إلا لله الواحد القهار، كان مؤمن آل فرعون نموذجاً للرجال؟ فهل حرمت المرأة من المشاركة في موكب الحرية وشرف الرفض للفرعون؟ ها هي زوجة فرعون تعلن ولاءها لله وتحررها من الولاء للطاغية وهكذا تسير الحرية بجانحيها الرجل المؤمن والمرأة المؤمنة ومنهما تتألف طلائع الحرية عبر التاريخ.
لا يستفيد الطغاة من كل فرص النجاة مهما كانت واضحة وبينة وعظيمة، فقد أعطى الله لفرعون تسع مهل في تسع فرص هي الآيات التي أرسلها مع موسى عليه السلام ولو آمن بواحدة منها لنجا، فأبى إلا الهلاك، وأحاطت به خطيئته إلا ورود المهلكة، وإدخال نفسه وجنده في التهلكة، تحرك فرعون في اللعبة الخطأ، الكذب والتعهدات، وكان مدمن خطابات يدل على ذلك كثرة حديث القرآن عنه وإيراده لبعض كلامه، وكان يفهم الإمهال إهمالاً، والفرصة بغير معناها الحقيقي، كان غافلاً ليس وحده بل هو وجنوده.
بقي القول: إن هلاك فرعون وجنوده الذين حشرهم من امتداد البلاد لم يكلف موسى عليه السلام ومن معه قتيلاً واحداً، لم تحدث مواجهة بين المخلوقين، ولكن تولى أمرها من يقول المؤمنون صباح مساء: حسبنا الله ونعم الوكيل.
د. محمد عبدالله الحاوري
الطغاة لا يستفيدون من الدروس ولا يستوعبها أتباعهم 1930