المصائب لا تأتي فرادى هكذا عرفناها وبتلك الصورة ألفناها، وحينما تنزل بأرض تتوالى فواجعها وتكبر مساحة أحزانها، فيصير الجزع "جزعين" والألم "ألمين".
فأبين التي تتعرض منذ أكثر من عام إلى هدم وتدمير وخراب وقتل وتشريد وعذاب لم يكن ذلك على ما يبدو كافياً لأهلها حتى تلحق بها "مأساة" أخرى لا تقل "كارثية" عن سابقتها فتغدو مدنها وقراها مصدراً "للفواجع" ومكاناً تتسابق فيه "المواجع" وتركض فيه "الملمات".
وإذا كانت مصيبة الحرب قد أكلت الأخضر واليابس في المحافظة المغلوبة على أمرها فإن داء "الثأر" المستفحل اليوم بين عدد من قبائلها قد أكمل سيناريو المأساة المؤلمة وكأن الحزن قد كتب عليها وحدها دون غيرها .
فهاهي باتيس وما جاورها "مدينة" الحب والجمال، حيث المروج الخضراء والبساتين الغناء وصور المحبة والإخاء "أرض" الشفاء والدواء لم تعد كما كانت، فتبدلت أحوالها وتغيرت أوضاعها فصارت "مساحة" للمصائب تحلق في سماءها الفواجع بعد أن استفحل داء "الثار" اللعين فيها ونخر في جسدها "شر" الانتقام المقيت، فذهبت الأفراح عنها وحلت الأتراح بأرضها وكل ذلك كما يقال في الأمثال الشائعة " بيدي لا بيد زيد أو عمرو" .
" مؤلم" هذا الحقد المشتعل في النفوس اليوم "وكارثي" ذلك الشر المستطير الذي يتملك نفوس الناس المتصارعة هناك ..
"محزن" أن يتوارى صوت العقل والحكمة خلف جدران "العزوة " بالنسب والقبيلة .. بل "مخزي" أن يظل الجميع متفرجاً أو ربما مستأنساً بأرواح برئية " تزهق وبيوت تدمر ونساء ترمل وأطفال تيتم . قبل أيام بسيطة أصبت بذهول تام ثم أغرورقت عيناي بالدموع وأنا أطالع في "النت" صورة طفل صغير لم يتجاوز عمره كما يبدو "3" سنوات لا أعرف أسمه أو شيئاً عن أهله وقد اخترقت جسمه النحيل "3" رصاصات حارقة فحولت جسده الغض الطري إلى "جثة" هامدة تحت يافطة الثار المؤلمة . يا إلهي .. هكذا تساءلت في نفسي !! هل وصل بنا الحال إلى قتل الأطفال ومهاجمة البيوت وترويع النساء تحت شعار "الثأر" ؟؟ أيعقل أن يتحول الشعور بالانتقام إلى "لظى" تحرق كل الأخلاق القيم المتعارف عليها، فيغدو الطفل هدفاً والمرأة الضعيفة مغنماً وحرمة المنزل الآمن فوزاً وغنيمة ؟؟ نعلم أن سعير الثأر المشتعلة لا تفرق ولا تستثني أحداً ولكننا نعلم أن القبيلة قبل أن تكون "إقدام" وشجاعة هي كذلك أخلاق ومعاملة فاضلة "تسمو" فوق الجراح وترتفع فوق هام الألم ، تقدم العقل والحكمة على ماسواها من وساوس الشيطان وحزبه . فالشريعة السماوية كما هو معلوم وضعت للحفاظ على الضرورات الخمس " الدين، والنفس، والنسل، والمال، والعقل" فلا يجوز المساس بها والتعدي عليها بغير حق لأن ذلك مدعاة للفساد وإخلالاً بالدين والحياة بشكل عام .. والثار بكل تأكيد يؤدي إلى القتل وإهدار الأموال وزرع البغضاء وتعطيل الحياة ، كما هو العنف "سبيلاً" وأداة للسير نحو المجهول ولم يكن يوما طريقا لحل أي مشكلة بل وكما يقال لكل فعل رد فعل ومستخدمه وإن بدأ منتصراً فإن ذلك يكون مؤقتاً بل "وبال" عليه في آخر المطاف وقديما قالوا " شر الإدراك .. الإدراك المتأخر" فليس من العقل والحكمة في شيء أن تظل الأطراف المتصارعة هناك "رهينة" كل ما هو غير مقبول ولا منطقي وليس من مصلحة طرف أن يستمر العداء وتطول فترة البغضاء لأن ذلك يعني "إراقة" المزيد من الدماء ونفوس مكلومة وقلوب موجوعة قبل أن يدرك هؤلاء أنه لابد من "التصالح" ولا مفر من الجلوس على مائدة الحوار كطريقة مثلى لحل أي مشكلة . وفي عرف "الصراع" هناك حقيقة ربما تغيب عن بال الكثيرين مفادها " إن الصراع قد يطول وربما يمتد لعشرات أو مئات السنين !! لكن لخطه نهاية و لسيرة خاتمه" وما أتمناه ألا يأتي ذلك وقد استنزف كل الطاقات والمدخرات !! فلماذا لا يكون ذلك اليوم قبل غد ؟؟.. هي دعوة أوجهها لكل الخيرين من رجال القبائل والوجاهات الاجتماعية وخطباء المساجد والمثقفين أن يتحركوا عاجلاً غير آجل لوضع حد لنزيف الدم بين قبائل " رهاء وآل فليس وآل حقيس ولسروح" وغيرهم وقبل ذلك لأطراف النزاع أنفسهم أن يحكموا الدين والعقل فيما هم فيه اليوم ويقدموا مصلحة رجالهم ونساءهم ومستقبل أولادهم وبناتهم ومصالحهم العامة والخاصة على ما سواها .. وأن يدوسوا على "الألم" والجراح وإن كبرت والأحزان وإن ارتفعت !! وليجعلوا من مآسيهم السابقة طريقاً نحو حياة جديدة ملؤها السعادة وعنوانها "أمل" ولحظات هانئة .. والله من وراء القصد .
شكري حسين
أبين "حرب" مدمرة .. " وثأر" كفانا الله شره .. 2137