ذرفت الدموع وتقاطرت وأخذت طرقاً مختلفة على وجنتيه بينما جسمه ظل ممتداً على سرير مرضه داخل قفص الاتهام وقد انهمرت الدمع بغزارة وبدأ يسيل من تحت زجاج نظارته العاكس التي كان يلبسها، ثم أجهش بالبكاء حتى سُمِعَ له صوت وظلت أطرافه ترتعد وتهتز وجسمه يتململ. هذا وهو لم يكن في غرفة نومه مع زوجته في قصره الرئاسي بل كان في مشهد يوم عظيم تجمع له المصريون من كل مكان ويراه العالم اجمع حَيّاً على الهواء بواسطة مراسلي القنوات الفضائية وعدسات الكاميرات التي تسابق حاملوها أيهما سيحضى بأولوية النقل المباشر لوقائع جلسة النطق بالحكم في محكمة جنايات القاهرة إلى جميع القنوات الفضائية العربية والعالمية فالموقف صعب وصعب جداً على المتهمين القابعين خلف القضبان (حسني مبارك وولديه جمال وعلا وحبيب العادلي وستة من مساعديه ) والموقف صعب أيضاً على بقايا فلول النظام المصري وبقايا الأنظمة العربية سواء المخلوعة منها أو التي ما تزال في طريقها إلى الخلع والرحيل. كيف ذلك ؟ ما هذا الذي يُشَاهَد واقع أم خيال ؟ فالشعوب العربية ظلت ترقب مجيء ساعة النطق بالحكم وفي صبيحة يوم السبت 2/6/2012م كانت قاعة المحكمة مكتظة بالجماهير وأيضاً خارجها والشوارع المجاورة والقاهرة برمتها هذا فضلا عن تفرغ الشعوب العربية من مختلف الشرائح الاجتماعية ذلك اليوم لمشاهدة جلسة النطق بالحكم فكُنْتَ ترى القائم منهم والقاعد أمام شاشة التلفاز لان المشهد جديد عليهم وغريب في حياتهم فلم يعتادوا من قبل على محاكمة أي مسئول ولو كان ضابط شرطة أو ناظر وقف أو مدير بلدية في ظل الأنظمة العربية الدكتاتورية السابقة. واليوم حُوْكِمَ اكبر طاغية ودكتاتور عربي وفرعون مصر هذا العصر وأستاذ الطواغيت العرب ومعلمهم الأول. وعقدت المحكمة جلسة برئاسة المستشار/ أحمد رفعت وحَمَلَ منطوق الحكم السجن المؤبد لمبارك والعادلي لاشتراكهما في جرائم القتل المقترن بجنايات قتل الثوار والشروع بقتلهم موضوع الاتهام المسند إليهما في قرار الاتهام والبراءة لكل مساعدي وزير الداخلية السابق وعددهم ستة أولهم احمد محمد رمزي وآخرهم عمر عبدالعزيز، وانقضاء الدعوى الجنائية ضد كل من جمال وعلاء مبارك وحسين سالم بشأن جنايتي استعمال النفوذ وتقديم عطية، وهذا الحكم يعتبر السابقة الأولى من نوعها في العالم العربي بما فيه من علات وبما يحتوي عليه من تعاطف وميل لبقايا النظام السابق وبما يعيبه من قصور كبير في جمع الأدلة من قبل النيابة العامة وتقديمها للقاضي أثناء المحاكمة، ومع كل هذه المآخذ على الحكم بَيْدَ أن فقراته الأربع الأولى من منطوقه محسوبة في رأيي للقضاء المصري ومنجز عظيم لثورة 25/يناير/2011م.
وهنا يثور تساؤل هل سيتعظ الطاغية الأسد وحزب البعث التابع له من العقوبة المحكوم بها على الرئيس المصري السابق ووزير داخليته والوضع المزري لهما فيكفون عن قتل الشعب السوري ويتخلون عن النظام ويسلمون أنفسهم للعدالة؟ وهل سيتعظ الطغاة العرب وبقايا الأنظمة التي ما تزال تسعى لإعادة إنتاج النظام القديم من جديد ؟ وهل سيكف الرئيس اليمني السابق والأبناء والأقارب والموالين له عن عرقلة تنفيذ المبادرة الخليجية وهيكلة الجيش والأمن وعن إثارة القلاقل والفتن والإمداد بالمال والسلاح لحركات التمرد المسلحة وما يسمى بأنصار الشريعة ؟.. نتمنى أن يكون الجميع قد اتعظوا مما صار لمبارك وآل إليه حاله ومآله والسعيد من اتعظ بغيره، والكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والنصر للشعوب والتاريخ لا يرحم المهزومين. وقد رجح محللون وخبراء أن الحكم القضائي المذكور سيكون له أثر هاماً في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية المصرية المقررة يومي 16 و 17 يونيو حزيران الحالي، معتبرين أنها ستخدم (د/ محمد مرسي) في مواجهة المرشح احمد شفيق، لأن الأخير محسوب على النظام السابق، ووصفه المنسق العام لجبهة حماة الثورة ( احمد عبدالعزيز ) بأنه ( حكم على شفيق بالإعدام وليس على مبارك بالمؤبد ) لأنه جاء في وقت تأزمت فيه العلاقات بين القوى الثورية كافة فجاء الحكم – رغم مساوئه- قبلة حياة للثورة وميدان التحرير وحملة مرسي لإعادة اللحمة بينهم ) واعتبر أن الحكم قدم (لمرسي) من أصوات المختلفين معه ما لم يكن يحلم به وأعاد الكرة إلى ملعب الإخوان وتوقع أن يستغلوه بذكاء للانصهار مع القوى الوطنية والثورية، لأنه الورقة الأخيرة سواء للثورة لتسترد رونقها أو للإخوان كي يستطيعوا الفوز بالرئاسة.
وبناء على ذلك فالملاحظ أن المثقفين ممن يسمون (الليبراليين) الذين كان بعضهم قد قرر مقاطعة الانتخابات لكنهم عادوا بعد صدور الحكم وغيروا موقفهم، فقرروا إعطاء أصواتهم لـــ( مرسي) في جولة الإعادة، لاسيما وأن الحكم جعل المصرين يربطون بين شفيق ومبارك وكان الأول قد حاول إبعاد نفسه عن النظام السابق ولكن دون جدوى، وذهب الدكتور حسين ـ أمين أستاذ الإعلام في الجامعة الأمريكية بالقاهرة ـ إلى القول بأن شفيق محسوب على النظام السابق وهناك تقارير دولية قالت إن حظوظ منافسه (مرسي) صارت اكبر بعد صدور الحكم خاصة مع خروج المظاهرات احتجاجاً عليه، لأن المتظاهرين حسبوه على شفيق باعتباره وزير طيران مبارك وآخر رئيس وزراء لحكمه.
وقد أثارت براءة جمال وعلاء مبارك ومساعدي وزير الداخلية وحسين سالم غضب الشارع المصري، فدعوا إلى مسيرة مليونية احتجاجاً على الحكم بالبراءة وتوافدوا على ميدان التحرير بالقاهرة وعلى جميع ساحات الحرية في مصر وهتفوا جميعاً ضد الحكم بالبراءة وضد شفيق ومبارك كما هتفوا بأن الشعب (يريد تطهير القضاء ) وقد هز الحكم الأغلبية الصامتة وكان بمثابة ثغرة فتحت في صفوفها لنزول جميع المصريين يومي الاقتراع لاختيار مرشح حزب الحرية والعدالة فيحصد الأغلبية المطلقة والمريحة من الأصوات والنجاح الكاسح وذلك ما يتوقعه الجميع وسيتحقق بإذنه تعالى.
أحمد محمد نعمان
كَفَى الطُّغَاة عِبْرَةً بِمُبَارَك !! 1753