لا أحد يستطيع أن ينكر أو يشطب ويلغي قناعاتنا بأن شعبنا اليمني هو من أكثر الشعوب صبراً وتجلداً وتحملاً لكل أنواع الضيم والقهر والاستبداد إن لم يكن أكثر وذلك لما يتمتع به هذا الشعب من الحكمة وبُعد النظر، بالإضافة إلى العواطف الجياشة التي اشتهر بها منذ القدم، وهذا ما أكده نبينا الأعظم محمد (صلى الله عليه وسلم)، حينما قال عبارته الشهيرة "جاءكم أهل اليمن هم أرق قلوباً وألين أفئدة" صدق رسول الله.. فالرقة لا يقترن بالعنف والقسوة والعكس صحيح، كما أن اللين لا تقترن مع الطيش والنزق والعكس صحيح أيضاً.. ومن هذا المنطلق فإن شعبنا عندما يصبر ويتحمل كل هذا الغبن ليس ضعفاً ولا جبناً بقدر ما هو "حكمة وتعقل ورشد".
فبالنظر إلى موضوع المبادرة الخليجية وبقدر ما يعلمه شعبنا من أن هناك أطرافاً إقليمية لا تريد لليمن أن يستقر أو يعتمد على نفسه خشية من الدور الذي قد يلعبه اليمن حالما يقف على قدميه وتقوى شوكته وبالتالي قامت هذه الأطراف بفرض هذه المبادرة على شعبنا بشكل لا يخلو من القسوة والمكر والاستغباء، إلا أن شعبنا قبل بها برغم ما شابها من إجحاف وظلم في حقه وحق أبنائه الذين استشهدوا وجرحوا واعتقلوا وشردوا، ورغبة في لملمة الجراح وإيقاف نزيف الدم، ولعلم شعبنا بالعقلية التي تحكم هذا الوطن ومدى خيبتها ودناءتها فضل القبول بهذه المبادرة والتي تم تحديثها لعدة مرات بحسب طلب "طالبها" الرئيس السابق "صالح".. ومرة أخرى يجد شعبنا نفسه أمام عدة خصوم "من الداخل ومن الخارج".. فبالله عليك سيدي القارئ :أية مبادرة هذه التي يتم تغييرها لعدة مرات بحسب طلب أحد الأطراف المشمولين في هذه المبادرة؟!.
ومع ذلك قبل شعبنا بذلك، أو بالأحرى معظم الشعب قبل بذلك وفي حلقه غصة من إخوانه وأشقائه وهم يدللون"القاتل" بشكل منقطع النظير ويضعون تلك الشروط المجحفة في حق هذا الشعب الصابر علَّ وعسى أن تتولد لدى إخواننا وأشقائنا قناعات بأن هذا الرجل" صالح" يتسبب في وضعهم وجهاً لوجه مع الشعب اليمني والشعوب لا تنسى وكلنا يعلم كيف هي قناعات شعبنا ومسلماته بمن يدرك أنهم أعداؤه التاريخيون وكم هي تلك الاحتقانات التي يعانيها منذ زمن بعيد.
ومع يقيني أن شعبنا حاول ولعدة مرات طي صفحات الماضي وآلامه وجروحه، إلا أن هناك أطرافاً لا تريد لهذه الجروح أن تندمل ويتوقف نزيفها، وإلا ماذا يعني عدم اتخاذ موقف واضح تجاه من يعرقل تنفيذ هذه المبادرة؟!. لماذا لم نسمع مصدراً مسؤولاً واحداً منهم يحدد موقفاً من كل هذه الشطحات والمهازل التي يقوم بها أركان الحكم البائد بينما نسمع وبشكل شبه يومي تصريحات نارية منهم فيما يخص أماكن أخرى في المنطقة؟! ألا يضع إخواننا "رعاة المبادرة" أنفسهم في وضع لا يحسدون عليه أمام شعبنا؟! ألا يشاهدون ويسمعون ويقرأون ما تقوم به هذه الشلة الفاسدة في حق شعبنا؟! لما لا يتخذون خطوات جريئة لكبح جماح هذه العصابة وهم يمتلكون الكثير من أوراق الضغط عليهم؟ لما لا يحترمون مبادرتهم وبالتالي يكونون واضحين ويقفون مع الرئيس المنتخب وفق مبادرتهم وتمكينه من إنقاذ قراراته التي يتخذها بشكل فوري؟ ألا يعني هذا لشعبنا الشيء الكثير؟!..
ولا أنسى هنا أن أتقدم نيابة عن الشعب اليمني بأعظم التحايا والإجلال لدولة قطر وذلك للموقف الواضح الذي اتخذته منذ الأيام الأولى لظهور ما يسمى بالمبادرة الخليجية "الصالحية بامتياز" حينما رفضت تعديل المبادرة وانسحبت فوراً.
أعود لأؤكد أن شعبنا ليس غبياً كما قد يتصور البعض، لا وألف لا، شعبنا يدرك المخطط الذي يراد له أن يسلكه ولهذا فهو يفوت الفرصة على تلك الجهات التي تقف وراء "الرئيس السابق" إلى يومنا هذا ولا ننسى الموقف الشجاع الذي اتخذه الرئيس الأميركي حينما ألمح إلى إمكانية اتخاذ خطوات عقابية ضد من يعرقل تنفيذ المبادرة وهذا الموقف يحسب للإدارة وتستحق عليه الشكر والثناء، مع أنني على يقين أن الدوائر الأمنية الأميركية لها حساباتها الخاصة والتي قد تكون الإدارة ممثلة بالرئيس ليست على علم بها.
فشعبنا إذاً يدرك كل ذلك كله، ولن يسكت إلى ما لا نهاية، فلديه من الأوراق الكثير والكثير ليقلب بها الطاولة فيما يخص صالح وعصابته الذين لم يتحرروا من عقدة الزعيم، أو فيما يخص من يقف وراءهم.. وعليه فأنا من هنا أنبه إخواننا "رعاة المبادرة" ومجلس الأمن بعدم تجاهل ردة فعل هذا الشعب، فهو شعب ثوري ولديه من الفراسة الشيء الكثير، فاتقوا فراسته وعليكم بالحذر من الكريم إذا أهنتموه ومن العاقل إذا جرحتموه وأنا متأكد أنكم تشهدون لهذا الشعب بالكرم والعقل.. فحذاري إذن.