الرئيس الفرنسي الجديد نجح بشعاري العدالة الاجتماعية وإنقاذ المشروع الأوروبي، في الوقت الذي تبنى خصمه خطاب اليمين المتطرف ودافع عن سياسة التقشف والقبضة الأمنية وعن الانكفاء القومي والتشبث بالسيادة الوطنية، غابت القيم الجمهورية عن خطاب ساركوزي وتحول هولاند إلى حارس أمين لهذه الثوابت الناظمة للعقل السياسي الفرنسي منذ قيام الجمهورية الخامسة، الرئيس الجديد يواجه تحديات غير عادية عاجلة وملحة تتجاوز حيز بلاده وتترك ثقلها بالكامل على المنظومة الأوروبية في مجملها التي تابعت باهتمام كبير وغير مسبوق المنافسة الرئاسية في فرنسا، ومن المؤكد أن هزيمة ساركوزي نظر إليها بصفتها زلزالاً كبيراً في منظمة اليورو، يرمز لنهاية الزوج الألماني ـ الفرنسي الذي أدار الأزمة المالية الخانقة، التحدي المطروح اليوم على رئيس فرنسا الجديد هو القدرة على تقديم مشروع أوروبي بديل لخيار التقشف وتقليص النفقات العمومية والسياسات الاجتماعية الذي اختارته ألمانيا وفرضته على شركائها الأوروبيون بدعم فرنسي.
هذا التحدي يتعلق في آن واحد بانتشال الوضع الاجتماعي المنهار في فرنسا، وبإنقاذ المنظومة الإندماجية الأوروبية المتمحورة حول العملة النقدية المشتركة التي تتعرض لمخاطر التحلل والتفكك، وإذا كان هولاند قد استقطب جمهوراً واسعاً باسم العدالة الاجتماعية ودعم النمو والتوزيع المنصف للثروة فإن الرهان المطروح عليه هو القدرة على تجسيد هذه التطلعات المغرية في سياسات اقتصادية ناجمة وعملية.
برغم عقد اجتماعي هذا العام والثالث بعد فترة، عجز زعماء الاتحاد الأوروبي في إيجاد سبيل لاستعادة النمو، بينما انقلبت العديد من دول جنوب أوروبا على إجراءات التقشف ونظمت احتجاجات ضخمة في الشوارع في مدريد ولقيت أحزاب سياسية معارضة لخطط الاتقاذ تأييداً في اليونان، وانكمش الاقتصاد الإيطالي ثالث أكبر اقتصاد في منظمة اليورو بوتيرة تفوق التوقعات خلال الربع الأول ونزل الناتج 00.8% ليسجل ثالث تراجع وفصلي على التوالي، وتواجه أسبانيا صعوبة في خفض عجز هائل وإعادة بناء القطاع المصرفي على عقب إنهيار أسعار العقارات وهي تعاني من ركود إثر إنكماش الناتج المحلي الإجمالي 00.3% خلال الربع الأول.
وحتى في هولند الثرية هبط الناتج الاقتصادي وانكمش 00.2%، الأمر الذي يبرز مدى الضرر الذي سببته الأزمة، وبالنسبة لدول منطقة اليورو المتعثرة مثل اليونان وأسبانيا فإن التوقعات قاتمة في أفضل الأحوال وكآبة تامة في أسوأ الحالات، والسيناريو الأساس لا يزال يتمثل في تحقيق عودة تدريجية لنمو إيجابي معقول في منطقة اليورو خلال النصف الثاني من هذا العام، لكن حدوث أي تصعيد آخر في أزمة الديون يسمح فقط بخروج اليونان من منطقة اليورو ويمكن بالفعل أن يتسبب في انحراف التعافي المتوقع.
وفي ألمانيا أمكنها تجاوز السقوط في فخ الركود الاقتصادي لكن حصل نمو اقتصادي بمعدل 00.5% بفضل الأداء القوي للصادرات، وبلغ النمو السنوي للاقتصاد الألماني بمعدل 1.7% من إجمالي الناتج المحلي بعد وضع التغير في الأسعار في الاعتبار، منطقة اليورو لا تزال تعتمد بشكل مكثف على ألمانيا ومعدلات الناتج المحلي الإجمالي في اقتصادات رئيسية أخرى بالمنطقة تحقق نمواً بالسالب، والاقتصاد الفرنسي لم يحقق أي نمو مع استمرار ضعف الطلب الاستهلاكي وتراجع الاستثمار وتباطؤ الصادرات في مقابل تسارع الواردات.
هامش:
1. الاتحاد العدد "13462" 14/5/2012
2. الاتحاد الاقتصادي 16/5/2012
3. الاتحاد الاقتصادي 17/5/2012
4. الاتحاد الاقتصادي 18/5/2012.
د.علي الفقيه
انتخابات أحدثت زلزالاً كبيراً في أوروبا 2190