الأزمة المالية هزت اقتصادات العالم بأسره، حيث أفرزت أسئلة عديدة موجهة إلى صميم الاقتصاد النقدي، في الوقت الذي تبذل فيه الحكومات والبنوك في اقتصادات الدول المتقدمة جهوداً متواصلة لخفض الديون، حيث أصيب النمو بتعثر واضح.
ضعف النمو يقوض الجهود الرامية إلى إصلاح الميزانيات ويقود إلى تبني المزيد من تدابير التقشف، وينتج عن هذه الحلقة المفرغة العديد من المشاكل لاقتصاد العالم.
ويتساءل الكثيرون عن مدى مقدرة البنوك المركزية على دعم الطلب والمحافظة على الاستقرار الاقتصادي، يدعو البعض إلى ردود فعل صارمة مثل زيادة معدلات التضخم أو التخلي عن أطر السياسة النقدية الراهنة، وجهات النظر هذه ربما لا تكون مقنعة بما فيه الكفاية، حيث لم يحن الوقت المناسب بعد للمخاطرة بالتخلي عن الأطر التي أثبتت جدواها على مدى الأزمة التي يمثل وجودها ضرورة للحفاظ على التعافي.
وعلى سبيل المثال فإن زيادة معدل التضخم مؤقتاً يقود إلى استبعاد توقعات التضخم وتبديد الأرباح التي تمت تحقيقها بصعوبة في ظل استقرار الأسعار، كما أن ارتفاع معدل التضخم يزيد من أقساط التأمين وأسعار الفائدة الحقيقية، بالإضافة إلى زيادة سوء الديون، وتعتبر البنوك المركزية أكثر فاعلية عندما تكون أهدافها التشغيلية أكثر وضوحا واستقراراً، كما أن السعي وراء زيادة معدلات التضخم بصورة مؤقتة يكون فعالاً فقط في حال تم تحويل مسار السياسة نحو هدف جديد مثل الناتج المحلي الإجمالي الأسمى والناتج الكلي بأسعار السوق القائمة.. ومع ذلك ينبغي موازنة فوائد مثل هذا التحول في النظام، مع المخاطر الناجمة عن التخلي عن فكرة السياسة النقدية، وهي استهداف التضخم المرن، الفكرة التي تعد جدلاً أنها الأكثر نجاحاً في التاريخ، يمكن القول بأنه يسمح إستهداف التضخم المرن للبنوك المركزية بتوفير ما هو متوقع منها في وقت تتصدى فيه لما هو غير متوقع، ويجعل استهداف التضخم القيام بإجراء سياسي إستباقي عمل في غاية السهولة، الشيء الذي ساعد بنك كند على إنتاج سياسة تيسير نقدي سريعة إبان الأزمة، واستجابت البنوك المركزية أيضاً في خضم الأزمة بطريقة أكثر صرامة.
كما ساعد استهداف التضخم بنك إنجلتر على معاينه تحولات التضخم قصيرة الأجل ودعم تبني الاحتياطي الفيدرالي بنك اليابان للمزيد من أهداف التضخم الواضحة، فاعلية سياساتهما غير التقليدية والتي يكون وجودها أساساً لمساعدتهما على التخلي عن تلك السياسات عند الضرورة، وكلما كان معدل التضخم منخفضاً ومستقراً ويمكن توقعه، كلما أدى ذلك للقناعة للتشجيع على الدخول في العمليات المحفوفة بالمخاطر وربما يكون ذلك بمثابة التحذير للبنوك المركزية في البلدان التي عانت إقتصاداتها من أزمات والتي اعتمدات على الطلب المحلي في ظل ضعف البيئة الخارجية، وبتوافر نظم مالية عالية الكفاءة، تقبل الأسر على المزيد من الاقتراض ويزيد كذلك معدل الدخول في مخاطر أسواق المال.
ولحسن الحظ لا تعمل السياسة المالية دون جدوى، وتحقق أو لخطوط الدفاع ضد الاختلالات المالية من خلال الإشراف والتنظيم السليمين واللذين تم تبنيهما بقوة حول مختلف دول العالم خاصة أنهما يساعدان في تخفيف مخاطر الفائض المالي، ولا تزال السياسة النقدية تلعب دوراً تكميلياً في دعم الاستقرار المالي في الحالات الإستئنائية، ومن فوائد استهداف التضخم المرن أنه يرسخ توقعات التضخم على مدى أوقات مختلفة في وقت تستغل فيه البنوك المركزية السياسة النقدية لتحقيق الإستقرار.. ومن الممكن السماح لمعدلات التضخم بأن تكون دون المستويات المستهدفة لفترة أطول من الفترات العادية، وذلك في حالة ضمان تطبيق سياسة نقدية أكثر صرامة، وفي عالم تصعب فيه التوقعات يحتاج صانعو القرار لإطار عمل أكثر تماسكاً، ذلك النوع الذي يظل ملائماً مهما تغيرت الظروف المحيطة به.
هامش:
1. الاتحاد الاقتصادي 20/5/2012
2. الاتحاد الاقتصادي 21/5/2012
3. الاتحاد الاقتصادي 22/5/2012
د.علي الفقيه
اقتصاد العالم مشاكل التضخم السائدة 2258