أدرك جلياً حجم المهمة وثقلها على الرئيس وحكومته، كما وأعلم معنى أن تكون رئيساً لبلد تفتك فيه كافة الأمراض والمشكلات المزمنة والعصرية، كالفقر والجهل والبطالة والإرهاب والفساد والقتل والتخريب والجريمة المنظمة والنزاعات المسلحة والتمزق والتفكك الذي طال صميم النسيج الوطني وغيرها من الأشياء المهددة جميعها بسقوط وانهيار ما بقي من شكل هش وضعيف للدولة.
أعتقد أن الرئيس عبد ربه يكاد أفضل تعبير واصدق صورة للبيت الشعري القائل : أتعس الناس من يمتطي الليث أو يُحكم اليمن.ما تجلت به قريحة الشاعر محمد منصور شيخ مملكة الجعاشن ذات لحظة زمنية ؛ كأنه صيغ شعراً للرئيس الحالي ودون سواه من الرؤساء السابقين الذين مهما قلنا فيهم وفي المشكلات التي أرهقت وأرقت حُكمهم إلا أنها مجتمعة لا تقارن بمشكلات الوقت الحاضر.
ومع هذه المشكلات السياسية والاقتصادية والأمنية، ومع ضعف وهشاشة وتفكك مؤسسات الدولة وسلطاتها ؛ لدي ثقة غير محدودة بالرئيس وقدرته على إخراج البلاد والعباد من حافة السقوط والانهيار إلى مكانة مطمئنة ومستقرة، فما يحتاجه الرجل في مثل هذه الظروف العصية والقاهرة هو الثقة والقوة.
الثقة ونقصد بها مشروعيته المستمدة من ثقة الشعب، كما وإن القوة من شأنها فرض سلطة الدولة على الجميع، وهذه هي وظيفة القوة التي تعد مهمتها الأساسية حماية المجتمع والسيادة والمكاسب والخدمات والحقوق والعدالة ووووالخ.
وإذا كانت الثقة موجودة ؛ فأن المشكلة تكمن بانقسام وتفكك لقوة الدولة التي هي هنا مؤسستي الجيش والأمن، وبرغم حالة الشتات والانقسام الواقعتين لهاتين المؤسستين السياديتين يوجد مؤشرات وقرائن تصب بمصلحة استعادة زمام هذه القوة بحيث تخضع كلياً لسلطة الدولة، فما يجري اليوم في محافظة أبين لم تكن حرباً فقط ضد إرهاب القاعدة وإنما هذه المعركة تعني في المقام الأول أنها من أجل الدولة وتثبيت نظامها ونفوذها.
الوزير محمد ناصر احمد أظنه لا يحارب جماعات جهادية كي يسترد زنجبار وجعار ولودر فحسب؛ بل يخوض حرباً وطنية كي يسترد هيبة وكرامة جيش الدولة، أنه وجُنده وضباطه يخوضون معركة إنابة عنا جميعاً، المحافظون الجدد والقيادات العسكرية والأمنية والمدنية الحديثة مهما كان جهدهم ونشاطهم خارقاً؛ إلا أنه يبقى محدوداً ومحصوراً، فكما قيل بان اليد الواحدة لا تصفق ؛ كذلك هي عملية الانتقال التي يستلزمها قيادات وأفكار وجهود استثنائية كيما تنجز هذا التحول التاريخي.
نعم البلاد جميعها في العناية الحرجة، أنها أشبه بمريض يعاني تعطلت كافة وظائفه الحيوية، فالمحافظات والمديريات تكاد واقفة ومعطلة تنموياً واستثمارياً ووظيفياً إلا من صرف النفقات والمرتبات، المؤسسات والمصالح والجامعات ؛ بل وأين ذهب الإنسان فلا يجد سوى أجهزة إدارية أصابها الشلل والعطب ؟.
فباستثناء القطاع الخاص أو القطاعات الخدمية التي مازالت تؤدي جزءاً من واجبها ؛ تكاد اغلب مؤسسات الدولة تلفظ أنفاسها الأخيرة دون قيام قيادة البلاد بضخ الدم بشريانها أو الأوكسجين الى رئتيها. المسألة بديهية ولا تحتاج الى فطنة ودهاء كي نشخص ونعالج الحالة الحرجة والتي بات بينها وبين الموت مسافة قصيرة.
لدينا الآن محافظات كعدن وتعز وأبين ومأرب، ولدينا وزارات ومؤسسات لا تتجاوز أصابع اليد، فهذه وحدها تشعرك بقليل من التفاؤل والأمل، إذا ما نظرنا لديناميكية هذه الجهات ؛ سنجد أن محركها نابع من كون قياداتها معينة حديثاً كما وسنخلص لأن أجهزة الدولة لا يمكنها النهوض ومعاودة الحركة بأكثر فاعلية ما لم يتم اتخاذ قرارات جريئة وشجاعة من الحكومة والرئاسية وما لم تكن أيضاً طاقة الشباب عنوانها الأبرز والأكبر.
لدينا ثلاث مسائل ضرورية وعاجلة، الأولى وتتعلق باستعادة القوة وهذا لن يكون من دون دعم وزارة الدفاع مادياً ومعنوياً في حربها على الإرهاب وفي إعادة هيكلة الجيش، الثانية وتكمن في دعم حكومة الوفاق كي تحقق الاستقرار الاقتصادي والخدمي، وهذا الأمر يستدعي من الحكومة تبني سياسات جديدة تتماهى مع الواقع الاقتصادي والمجتمعي الذي شارف على التفكك والانهيار.
الثالثة ولها صلة مباشرة بمركز القرار (الرئاسة)، فالبلد وشعبه ودولته ووحدته يستحيل إنقاذها ما لم تقدم الرئاسة على تغييرات جوهرية وفي مختلف المؤسسات والنواحي والمحافظات، خاصة بعد أن صارت كثير من هذه المسميات عبئاً ثقيلاً على كاهل الحكومة والرئاسة وعلى سياساتهما وتوجهاتهما وتوافقهما.
محمد علي محسن
إرهاب وهيكلة وثورة شباب 2413