رغم تعدد منابر الإعلام وقنواته، وما يشهده من منافسة محمومة في تقديم الوقائع للجمهور من زوايا ورؤى متعددة، إلا أن الإعلام في اليمن أخفق بشكل ملحوظ في توثيق الصلة بينة وبين الجمهور، وأصبح يعاني صعوبة بالغة في تأسيس عنصر الثقة التي يكتسبها من الجمهور، حيث أصبحت حالة الانفتاح الواسعة تضع الصحف والمواقع الإلكترونية والقنوات الفضائية أمام أسئلة المصداقية والمهنية.
الصحيح والمنطقي أنه عند تناول أي خبر لا بد من الرجوع إلى مصادر مؤكدة حينما يتعلق الأمر بخبر مشكوك في صحته، خصوصاً في ظل ما تعانيه اليمن من أوضاع سيئة ساعد في ذلك الإعلام غير المسئول، مما تسبب في خلق بيئة ملائمة لتنامي الشائعات، وهو ما يؤثر بدوره على أمن واستقرار البلد بشكل عام.
الإشكالية الأخرى في هذا الموضوع أنه مع دخول المدونات والشبكات الاجتماعية تم دخول صحافة المواطن، وتحول الجمهور من موقع المتلقي إلى صانع الخبر والمادة الإعلامية، وهذا بدوره يسبب خللاً كبيراً في تناول المعلومة، فمن الملاحظ أن بعض المواقع الإخبارية وبعض الصحف والقنوات الجديدة أصبحت تأخذ المعلومة من المواطن في تلك المدونات والشبكات بدلاً من أن يأخذ المواطن معلوماته من الصحفيين المتخصصين والمتابعين.
يذكر المتخصصون في مجال الإعلام أن هناك مدرستين في نقل الخبر الأولى ( مدرسة المسافة ) وهي التي تضحي بالخبر والسبق في سبيل الحفاظ على سمعة الصحيفة أو الموقع الإلكتروني، وتأخذ فرصتها للتحقق من الخبر وصحته وتراهن على الدقة، المدرسة الثانية ( مدرسة اللحظة ) وهي التي تسعى وراء إشباع رغبات الملايين من القراء في الحصول على السبق وتنشر الخبر فور معرفته، ثم إذا ثبت ما يشوبه فإنها تنفيه أو تكذبه.
هناك مقولة رائعة لأحد الإعلاميين المصريين قال فيها ( أفضل تجاهل الخبر عن شهوة وغواية السبق)، فغواية السبق بالتأكيد تؤدي إلى عواقب وخيمة لعدم استيفاء القصة عناصرها والحدث بأكمله، فإذا كان ولا بد ولم يستطع ذلك الصحفي أن يصبر ويتحمل الانتظار حتى يتحقق من الأمر فعليه أن يقول " أنباء لم نتمكن من التأكد من صحتها " فمن ناحية تم السبق في الخبر، ومن ناحية أخرى منع الترويج للشائعات وانتشارها.
للأسف الشديد في هذه الأيام إذا أردت أن تصنع خبراً وتريد أن ينتشر فما عليك إلا أن تذكر ذلك الموضوع في وسيلة نقل أو مقيل، ستجد ذلك الخبر بالخط الأحمر " خبر عاجل " في مواقع الكترونية هي تعرف نفسها والقارئ المتمرس يعرفها، فنحن في هذه المرحلة أمام مأزق خطير في تناول القضايا في الإعلام اليمني، ويبقى في الأخير دور القارئ الذي يجب أن يقيم بعقلية ومنطقية تلك الوسائل، بل ويحاول الابتعاد عنها إذا استمرت في الانحراف بالمصداقية والمهنية لأغراض شخصية وحزبية، فالوطن لا تنقصه المتاعب والمشاكل فلا يجب أن تكون وسائل الإعلام أداة فتنة وكذب وزيف.
al-nwirh2@hotmail.com
///////////
سلطان علي النويرة
أزمة الإعلام في اليمن (1) 1839