من يظن أن إعلام الدولة يجب أن يكون مسبحاً بمنجزات حكومتها ومصفقاً ومغرداً بسربها دوماً؛ فعليه أن يعي أن مثل هذا الإعلام الرسمي الشمولي لم يعد له وجود سوى في ذهن وممارسة النظم الديكتاتورية المستبدة.. أحد دكاترة الرئيس السابق سمعته منتقداً التحول الحاصل في سياسة وسائل الإعلام الرسمي .
فبرغم أن قناة اليمن وصحفها الرسمية مازالت مقلة في تناولها لقضايا الفساد والإرهاب والغلاء والتعليم والصحة والتوظيف والفقر وووالخ؛ إلا أن هذا التوجه الجديد ربما لم يعجب دكتور الإعلام إذ راح منظراً ومتفلسفاً حول ماهية وظيفة إعلام الدولة التي وفق تفسيره ينبغي أن تنأى بنفسها عن إعلام الأحزاب أو الإعلام الأهلي الخاص .
أعجب كثيراً حين أسمع أحدهم قائلاً: (إعلام الحكومة غير إعلام الأحزاب أو الخاص)، فصحيفة الثورة الرسمية مثلاً يجب أن تكون سياستها ممغنطة ومشفرة على (حضر ودشن وافتتح واستقبل) وفق رغبة ومزاج السلطة السياسية التي هي هنا الحكومة ورئاسة الدولة ، فيما صحيفة الثوري المعارضة سيكون شغلها منحصراً في دور الناقد والمهاجم فقط لأداء السلطة وأجهزتها المختلفة، أما صحيفة الوسط أو "أخبار اليوم" أو الناس أو قناة سهيل أو السعيدة أو غيرها من وسائل الإعلام الأهلية ؛ فوفقاً وهذا الفهم الخاطئ يجب أن تلتزم الحياد ولا نقول الاستقلالية، بحيث تقف بين إعلام الحكم وإعلام المعارضة .
شخصياً لا أجد ثمة فارقاً بين كل هذه المسميات الثلاثة، ففي المحصلة الصحافة تعني معلومة ورقابة فيما وظيفتها واحدة غايتها تنوير وتبصير المجتمع، باعتباره المعني والمتلقي ، فما من صحيفة أو قناة ناجحة إلا وكان وراء نجاحها وشهرتها ثقة الجمهور ورغبته في اقتنائها أو متابعتها .
وبما أن المواطن هو أصل أية مشروعية سياسية وأية نهضة وتنمية اقتصادية وصناعية وأية نظام وحرية في التعاطي مع وسائل الإعلام ؛ فعلا ما الخوف والفزع من أن تكون رسالة الإعلام هدفها خدمة الشعب ذاته، باعتباره الممول والمستفيد والضامن؟؟.
نعم .. الدولة يجب أن تظل داعمة ومشرفة ومتدخلة أحياناً، فما من دولة ديمقراطية أو ديكتاتورية إلا ولديها إعلامها الذي يخدم أهدافها وأجندتها وخططها ومصالحها السياسية والاقتصادية والثقافية ! فمثلا هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) لم ينف أحد بكونها ممولة من خزينة الدولة وكذلك هو حال قنوات وصحف وإذاعات ووكالات فرنسية وأمريكية وألمانية ووالخ، فكثير ما أصابتنا الدهشة والحيرة والإعجاب أيضاً إزاء قدرة الإعلام الرسمي على ممارسة مهنته بحيادية وشفافية دونما خطوط حمراء أو تدخلات سافرة من الحكومات .
المشكلة هنا تتعلق بكوننا لا نفرق بين إعلام يتناغم إيقاعه مع أهداف ومصالح الدولة وشعبها وبين إعلام وظيفته خدمة السلطان ونزواته وأهوائه ! بين إعلام تموله وتديره الدولة وفقاً وأسس ومعايير مهنية وأخلاقية غايتها المواطن الذي يمثل محور أية تنمية وخدمة وبين إعلام دولة بيد السلطة وبلا ضوابط أو محددات مهنية وأخلاقية، بل وأكثر من ذلك بكونه موجهاً ضد الدولة وضد مجتمعها وأهدافه وحرياته وتطلعاته .
تصوروا أية حماقة وأية كارثة هذه التي اقترفت في زمن النظام العائلي ويراد لها أن تبقى لسنوات قادمة ؟ فاليوم وإذا أخذنا بنصيحة ومنطق أستاذ الإعلام ؛ فإن إعلام الحكومة لم يعد يقتصر على صحف الدولة وقنواتها، بل سيضاف له صحف الصحوة والثوري والوحدوي والحق والشورى والتجمع، ناهيك عن صحف وقنوات ومواقع موالية للمعارضة كالناس والأهالي والمصدر ومأرب برس وعدن اونلاين ووالخ، هذا إلى جانب صحف وقنوات ومواقع المؤتمر وشركائه وإن بدت معارضة اليوم لحكومة الوفاق .
وإذا ما كان الواقع يشير إلى حكومة متشكلة من أحزاب مختلفة ومتعددة ؛ فإن هذا الوفاق يجعل صحف الأحزاب ومواقعها مع سياسة الحكومة وقراراتها وإجراءاتها ، فهل يمكن الحديث بعدئذ عن صحافة حكومية وأخرى حزبية وأهلية؟.
لا أدري ما الفارق اليوم بين صحافة رسمية تملكها الدولة وبين صحافة حزبية تمول من خزينة الدولة ؟ بين صحيفة الجيش الممنوعة من دخول بوابة الحرس الجمهوري وبين صحيفة حزب المؤتمر المسموح بتداولها في معسكر للجيش لا في مقر للتنظيم؟.
ما أعلمه هو أن أغلب وسائل الإعلام القائمة مازال ينفق عليها من المال العام وإن اختلفت وتعددت صور وطرق التمويل، صحيح أن لدينا صحفاً وقنوات خاصة لكنها لم تصل لحد القطيعة مع المال العام، ففي النهاية يبقى لكل منها حبله السري، وصحيح أنه ما من صحيفة وقناة إلا وتضع في حسبانها مصلحة صاحبها ؛ لكن هذه المصلحة ستكون رهن المصداقية في التعاطي مع القضايا الوطنية .
ما سطرته سابقاً كان قبيل تصريح الوزير علي العمراني ، فما دفعني لنشره هو ما قرأته من كلام الوزير غير مسبوق أو معتاد ، فبرغم مزايدة البعض عليه بكونه جديداً وطارئاً على مهنة الصحافة ؛ إلا أن فعله وفكره وخطابه تشير جميعها إلى أن الوزير العمراني لديه من المعرفة والإلمام بواقع الإعلام ؛ بل ويمتلك من الشجاعة والجرأة أفضل بكثير من دكاترة ووزراء الإعلام الذين أشبعونا تنظيراً وفلسفة أفضت بنا إلى هذه النتيجة التي يستلزمها اليوم ثورة كي يتحرر هذا الإعلام من جموده وسقمه، وكي يؤدي وظيفته بعيداً عن تدخلات السلطة التنفيذية .
سأكتفي هنا بحديث الوزير القائل " الدول التي ليس لديها وزارات إعلام لديها وكالات تقوم بدور شبيه لإدارة الإعلام.. بشرط أن مسئوليها لا يكون عضواً بمجلس الوزراء".. لكن مع هذا أنا شخصياً أميل بقوة إلى إلغاء وزارة الإعلام وإلغاء مفهوم وممارسة الإعلام الرسمي التقليدي الذي عرفناه في الفترات الماضية.. وآمل أيضاً بالمقابل أن يلغى وأن يتلاشى المفهوم المعاصر لطبيعة الإعلام الحزبي..
نريد إعلاماً من أجل الشعب .. إعلاماً يخدم الشعب ويخدم قضايا المجتمع.. لا يخدم الأحزاب ولا يخدم أيضاً الساسة ولا القادة بقدر ما يراقبهم ويتعامل معهم بكل أمانة وكل مصداقية وبحيث الإعلام الحزبي ينبغي أن يتلاشى والإعلام الرسمي يقوم بدوره على النحو الصحيح أو بمعنى آخر أقول إن عندنا هذا التوجه الذي نأمل أن يتحول إلى برنامج والى مشروع وسنحاول بقدر الإمكان أن نصل إلى هذه النتيجة بإذن الله".
محمد علي محسن
إعلام في خدمة المواطن 2437