إن تحقيق مبدأ العدالة الاجتماعية من مؤشرات انحياز الدولة لتحقيق هذا المبدأ من خلال ما تحققه من إنفاق على الدعم والتحويلات وإعانة البطالة وتعتبر موازنة البرامج والأداء الوسيلة الأفضل لتحقيق رقابة فعالة، حيث ينصب الاهتمام في هذا النوع من الموازنات على المخرجات بدلاً من المدخلات وربطها بالاختصاصات والهيكل التنظيمي للحكومة ومن ثم تقسمها إلى برامج ثم إلى مشروعات تحدد لها التكلفة وتكلفة الفرصة البديلة للوصول للاستخدام الكفء للموارد المتاحة وسواء طبقنا أي نوع من الموازنات، فيجب اتباع مزيد من الشفافية مما يساعد على أحكام الرقابة على السلطة التنفيذية فنجد انة لا يتم توفير كافة المعلومات للجمهور في تقارير الموازنة العامة للدولة التي تقدمها وزارة المالية وعدم تقديم اي معلومات عن اثر افتراضات الاقتصاد الكلي ومن اجل الوصول إلى مشاركة فعالة في مساءلة السلطة التنفيذية والرقابة عليها وللإجابة على هذه الأسئلة ما هي الأهداف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المرجو تحقيقها وهي الخطوات المطلوبة لتنفيذها هذه الأهداف والتكلفة المتوقعة للتنفيذ وإذا نظرنا إلى أهم المشكلات المزمنة والتي لا تخلو منها الموازنة العامة للدولة وهي كيفية التعامل مع الإدارات المحلية، فمشكلة إدارة الموازنات المحلية في مصر يمكن تقسيمها إلى شقين الشق الأول متعلق بطريقة إعداد هذه الموازنات، حيث تقتصر دور المحليات على مجرد تقديم المقترحات والأداء في شكل مشروعات للدولة التي يكون الدور الرئيسي فيه للحكومة المركزية، سواء على مستوي وزارة المالية والتخطيط والتنمية المحلية ومجلس الوزراء أو على مستوي مجلس الشعب الذي تكون موافقته في النهاية على هذا المشروع بمثابة قانون لا يمكن للمسؤولين المحليين أن يدخلوا عليه أي تعديل بدون موافقة الحكومة المركزية.
ومن خلال أرقام الموازنة العامة للدولة عام 2012/2013 تبين حجم الإجمالي الموازنة يبلغ بنحو 535 مليار جنية المصروفات تبلغ 534 مليار جنية بعجز قدرة 140 مليار جنية تتمتع الموازنة من الناحية السياسية بأهمية كبيرة في الدول ذات الأنظمة النيابية والديمقراطية، ذلك لأن إرغام السلطة التنفيذية بأن تقدم وفي كل عام إلى المجالس النيابية من أجل أن يجيز لها نواب الشعب القيام بصرف النفقات العامة وتحصيل الإيرادات يعني إخضاعها للرقابة المستمرة لهذه المجالس وتتجلى رقابتها على أعمال الحكومة من خلال قدرتها على تعديل الاعتمادات التي تطلبها أو حتى رفضها المشروع الموازنة الذي تتقدم به السلطة التنفيذية.
ومما يزيد في الدلالة على هذه الأهمية أن الثورات والاضطرابات والتغيرات التي تتناول الدساتير موضوعاً لها تعود في معظمها إلى سوء واضطراب الأحوال المالية وما يترتب على ذل من زيادة مطالبة المواطنين بتوسيع مدى سلطتها فيما يتعلق بالإشراف على المسائل المالية في الدولة 0وبوجه عام فان القوة السياسية في الدول تميل في الغالب إلى تركيز السلطة في يد من يملك حق اعتماد الموازنة وتكاد القوتان السياسية والمالية في الدول الديمقراطية أن تتمركزان في يد ممثلي الأمة في المجالس النيابية وتتركز القوتان المذكورتان في يد السلطة التنفيذية في الدول ذات الأنظمة الدكتاتورية وهذا الأمر في غاية الصعوبة إن لم يتعذر فعلاً إخضاع هذه السلطة لرقابة جدية ومؤثرة من الناحية النيابية في هذه الدول.
إن الغاية من الرقابة الميزانية بصورة عامة هي التأكد من احترام الإجازة التي أعطاها البرلمان للحكومة في جباية الإيرادات و صرف النفقات، وتتحقق هذه الرقابة عن طريق إلزام الحكومة بتقديم حساب ختامي في نهاية السنة المالية للسلطة التشريعية، يبين فيه ما تم جبايته فعلاً من إيرادات وما تم صرفه من نفقات، ومدى مطابقة كل هذا لما ورد بالميزانية.. والرقابة السياسية ورقابة مجلس المحاسبة هي من صور الرقابة اللاحقة لتنفيذ الميزانية، و أما الرقابة الإدارية التي تقوم بها الحكومة، فهي إما أن تكون سابقة لتنفيذ الميزانية أو لاحقة لها.. إن أهمية الموازنة من هاتين الناحيتين لا تقل شأناً من الناحية السياسية ومن المعروف أن هذه الأهمية تزداد كلما اتسع نطاق دور الدولة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية وتستخدم الدولة الموازنة كأداة لإعادة توزيع الدخل القومي بين الفئات الاجتماعية من خلال احد جانبين الموازنة النفقات أو الإيرادات أو كلاهما معاً.. وقد اضطلعت الموازنة بدور كبير في العصر الحديث وأصبح دورها في الدول المتقدمة اقتصادياً أكثر توسعاً عما كان عليه سابقاً ولم تقتصر الموازنة على أنها مجرد عمل لتقدير الإيرادات والنفقات العامة وحصول الإذن على تنفيذ مندرجاتها فحسب وإنما تحددت أهدافها بشكل تختلف عليه في ظل النظرية التقليدية، حيث أصبح من أهدافها تعبئة الموارد الاقتصادية بما فيها غير المستغلة وزيادة الاستخدام ورفع معدلات نمو الدخل القومي وزيادة مستوى المعيشة أما في الدول ذات الاقتصاد المخطط فيزداد دور الموازنة بصورة كبيرة جداً بالنظر لعلاقتها الوثيقة بعملية التخطيط الاقتصادي، حيث تصبح الموازنة عندئذ جزءاً من الخطة المالية العامة للدولة.. مع تزايد حدة الضغوط التضخمية، إضافة إلى تزايد أعباء الديون الخارجية والداخلية كل ذلك يترافق مع استنزاف الاحتياطيات الخاصة بالقطاع الأجنبي، الأمر الذي يؤدي إلى ظهور أزمات مالية حقيقة، تتجلى تلك الأخيرة في العجز بالموازنة العامة لذلك نلاحظ بأنه بغض النظر عن طبيعة الهيكل الاقتصادي والطبيعات الخاصة بالسياسة الداخلية للدول، فإن برامج الإصلاح الاقتصادي بمعظم دول العالم تطرح بقوة، وفي مقدمة أولوياتها مشكلة معالجة العجوزات المستمرة في الموازنة العامة.
إن التمويل عن طريق القروض الداخلية ((أذوانات الخزانة)) تؤدي إلى العجز في الموازنة العامة نتيجة لدفع فوائد الدين العام وهي لا تؤدي إلى التضخم لأنها قروض محلية وإنما سوف تؤدي إلى سحب القوة الشرائية الزائدة وهناك أثار أخرى قد تكون اجتماعية وهي لا تؤدي إلى زيادة العجز في الموازنة العامة لسنوات قادمة، لأن الحكومة تدخل كمنافس للقطاع الخاص في سوق رأس المال، وزيادة عرض النقود يؤدي إلى ارتفاع الأسعار وهذا يؤدي إلى عجز الميزان التجاري، حيث تقل القدرة التنافسية لصادرات الدولة.
تغيير قانون التأمين الاجتماعي فكرة سعت حكومات الحزب الوطني المتعاقبة والمخلوعة لتنفيذها بغية خصخصة التأمينات الاجتماعية من ناحية، ومن أخرى للخروج من مأزق ديون أموال التأمينات المستحقة على الخزانة العامة، والتي بلغت 376 مليار جنيه مما رفع حجم الدين الداخلي إلى 600 مليار جنيه، ليصل بهذا الرقم إلى حدود غير آمنة للاقتصاد المصري، ليس هذا فحسب بل سيكون هذا الرقم حائلاً دون حصول الحكومة على قروض خارجية في المستقبل طالما تجاوز حجم الدين الداخلي 60% من إجمالي الناتج القومي.
لذا سعت حكومات الحزب الوطني بمساعدة رئاسة الجمهورية إلى محاولة إخفاء هذا الدين بثلاث طرق: الطريق الأول: بتاريخ 31 ديسمبر 2005 أصدر رئيس الجمهورية قراره رقم 422 الذي ينص في مادته الأولى على أن ” يكون وزير المالية هو الوزير المختص بتنفيذ تشريعات التأمين الاجتماعي ويحل محل وزير التأمينات أينما ذكر فى كافة التشريعات و القوانين الأخرى.
وبموجب النص المتقدم فقد جمع وزير المالية بين( رئاسته لمجلس إدارة بنك الاستثمار القومي ـ الذي تودع فيه احتياطيات أموال التأمينات ـ ورئاسته لمجلس إدارة الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي - ورئاسة لوزارة المالية المشرفة على الخزانة العامة) وهو ما جعله يجمع بين صفة الدائن بالنسبة لأموال التأمينات التي يتم إقراضها للدولة وبين صفة المدين حال اقتراض الخزانة العامة لهذه الأموال، وقد جاء هذا التغيير بعد رفض آخر وزيرة للتأمينات الاجتماعية الدكتورة/ أمينة الجندي إرسال ما لديها من فوائض أموال التأمينات إلى بنك الاستثمار وذكرت أنها ترفض العدوان على أموال التأمينات بهذه الطريقة، فكل أموال التأمينات التي تودع في بنك الاستثمار تقترضها الخزانة دون ضابط أو رابط، فكان الرد بحل وزارة التأمينات وإحالته للمالية ومنذ هذا التاريخ انفرد وزير المالية بإدارة أموال التأمينات ويقوم بتحديد مدة سداد القرض وعائده بقرارات مركزية وتعليمات إدارية دون الرجوع إلى مجلس إدارة الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي الذي يفترض قيامه بإدارة أموال التأمينات بالنيابة عن أصحابها.
لهذا نطالب فصل أموال التأمينات عن الخزينة العامة للدولة ووزارة المالية، ومنحها الشخصية الاعتبارية المستقلة واتباعها لإشراف مجلس الشعب مباشرة، وتحت رقابة الجهاز المركزي للمحاسبات، على أن يديرها مجلس إدارة مستقل يتم اختياره والتصديق على أعماله وطرح الثقة فيه سنويا من خلال جمعية عمومية تمثل الشركاء أصحاب المصلحة (المؤمن عليهم وأصحاب المعاشات) ومنظمات المجتمع المدني والحكومة، على ألا يزيد عدد ممثلي الدولة بكل أجهزتها فيه عن 25% من إجمالي عدد أعضاء الجمعية العمومية مقابل تحملها المصروفات الإدارية والأجور للعاملين بكافة الأجهزة التأمينية.
× كاتب مصري دكتور في الحقوق وخبير في القانون العام.
د. عادل عامر
السياسة المالية الواجب إتباعها لتنفيذ الموازنة العامة للدولة بكفاءة 2144