(عام) مر وانقضى على مأساة النزوح القسرية ولا شيء يلوح في الأفق يبدد ليل التساؤل المرير"صفحاته" كلها "أسى".. وأيامه معظمها "ألم" ومواجع وشعور دائم بالقلق!! ولا شيء يزيح "عذابات" الانتظار اليومية غير "العودة باتت قريبة، العودة لازلت بعيدة".
"عام" وجدت فيه مئات الأسر نفسها مرمية في أحضان القهر والشعور الدائم بالألم، أستنزف كثرت التفكير بالعودة للأرض والديار وضياع الأموال "عقول" الجميع ولم يعد للغالبية منها "آمال" وأحلام غير الجلوس في كنف المنزل وإن كان "حطاماً" وتقبيل تراب الأرض "المعطاءة" وإن كانت محروقة والعيش مع الأهل والخلان والجيران وإن كانت الوجوه كلها"مكلومة".
(عام) من المأساة وأبين "الأرض والإنسان" في مهب "الأحزان" تتجاذبها المحن والآلام وتحيط بحياة مواطنيها عديد منغصات "قتل وتشريد ودمار وضياع ممتلكات وأموال وحلم أجيال واغتيال لبراءة أطفال" ولا أحد كما يبدو "مهتم" وللكارثة الإنسانية التي تعرض لها السكان "مغتم".
(عام) من المعاناة والهموم والجوع والعراء والمرض والتسول والبكاء دفع هؤلاء النازحون إلى الصراخ وبأعلى صوت (مسنا وأهلنا الضر) !! ولا مجيب غير (يا نازحين هذا قدركم)، وفي أحسن الأحوال(أصبروا) على مصيبتكم.
(تراتيل) وجع دائم (ومواويل) ألم مستبد تعلو كل أرجاء المكان في المدارس والشوارع والحارات وأينما أتجه هؤلاء النازحون أو ارتحلوا (غرباء) هم في أرضهم هكذا (يشعرون) وعلى وقع تلك الأحاسيس ينامون ويستيقظون وربما يأكلون ويمشون.
"زفرات" أسى مبحوحة تتصاعد في السماء يومياً "ولا مجيب" وأصوات نساء وأطفال وشيوخ تملكها اليأس والقنوط تنشد العودة وترجو الفرج، لكن الأخبار الموجعة تقطع أوصال ما بقي فيهم من "أمل".
"سنة" من المأساة مرت ولا حلول.. وأشهر طوت أيامها دون أدنى شعور .. وساعات وربما أيام قادمات وشهور لا تعني عند أبناء أبين ألا مزيداً من "الألم" والنحيب، فما أقساها من "أيام" وما أصعبها من "ليال" بعيدة عن "أرض" عشقناها وتراب زكية افتقدناها ومواويل فرح غنيناها وصور ومشاهد خالدة ما نسيناها .
تقتلنا لحظات البعاد، وتستفز مضاجعنا "سهاد" الليالي الحالكات، وتشوي عقولنا "لظى" الذكريات الخالدات "العصلة وسواحل وباجدار والطميسي والصرح والمراقد ومقهى الشيباني وكشك الصبري" برفقة الأحباب والأصحاب، فأين أنتم يا أولي الألباب .
إذا تذكرت أياما لكم سلفت * أقول بالله عودي يا ليالينا
إني لأذكرك زنجبار والدمع يغلبني * وكيف أنسى مكاناً قد نما فينا
آه .. يا أبين .. على أوتار الحنين "لمرابعك" نعزف "لحناً" !! وبأيام الشوق نرسم اللوحات "حزناً، وبساعات "اللوعة" والجوى تنقضي الدقائق "ألماً"، ونتساءل: هل لنا من عودة تغسل أدران مواجعنا وتكسر قيود الخوف فينا؟
آه .. يا أبين .. العيش بعيد عنك كالسير حافياً على جزء "مقفر" لا حياة فيه ولا رجاء، والمبيت خارج "أسوارك" كوابيس وليال مزعجات، والتلذذ بنعيم العيش خارج ديارك إنما هو "هم" ولحظات موحشات ولله در القائل
لبيت تخفق الأرياح فيه * أحب إلي من قصر منيف
"سليهم" ..أبين .. كيف طاوعتهم أنفسهم يوم استباحوا "أرضك" ولما أحرقوا أزهارك وزرعك؟ قولي لهم لماذا قتلوا الفرحة في عيون أطفالك؟ ألم تكوني لهم حضناً "ووعاء" وترابك تحت أقدامهم "فداء" وخيراتك لأرواحهم "غذاء"؟
أخبريهم عن جرحك النازف لعل في قلوبهم لك رأفة، كلميهم عن مآسيك لعلهم في أعينهم لأجلك دمعة، نبئيهم عن سيل أحزان أبناءك، فلربما تكون لهم إليك لفتة، قولي لهم ما ذنب طفل رضيع فارق حجر أمه وبنت عذراء تركت خدرها وشيخ حائر يلتحف العراء وامرأة عجوز تقتات الشقاء وشباب يستنطقهم العناء.
قولي لهم كما أنشد ابنك الرائع صالح البصير في رائعته الجميلة :
أبين حزينة لابسة ثوب الحزن * من با يرد الفرح والبسمة لها
شهور قد مرت وعيشتها عدم * تشكي الألم تبكي على ما صابها
قد دمروا كل المزارع والسكن * من بعدما شردوا كل أهلها
يكفي كفى يا ناس ما قد حصل * وإلا قضيتنا يصعب حلها
هل عاد شي رحمة بكم ولا أمل * لا تتركوها في جحيم آلامها
ما ذنب ذا المسكين وأمه العاجزة * ذي لا حول ولا قوة لها
في المدرسة تمسي وتصبح في نكد * تبكي وتشكي الموت ليته جاء لها
شكري حسين
عام صفحاته "أسى" وأيامه كلها "ألم" 1609