كانت أوروبا والعالم بأسره ينظران إلى الانتخابات الفرنسية بنوع من الترقب، أيضاً الفرنسيون ترقبوا ما ستسفر عنه تلك الانتخابات، حيث أنه من المعروف عن فرانسو هولاند مواقفه المعارضة لخطط التقشف الصارمة التي تدعو إليها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ولا سيما أنه بنى حملته الانتخابية على انتقاء التركيز الألماني المفرط على الانضباط المالي دون إيلاء الاهتمام الكافي لمسألة النمو وتأمين الوظائف.
سياسة التقشف التي أنفقت عليها الدول الأوروبية بقيادة ألمانيا، وإن كانت قد ساهمت في تهدئة الأسواق المالية ودعمت اليورو بعد تعثر الدول المدنية واحدة تلو الأخرى، إلا أنها كانت باهظة التكلفة من الناحيتين السياسية والاجتماعية بعد ما خرج المحتجون إلى المدن الأوروبية منددين بالتقشف وتدهور أوضاعهم المعيشية، ولذا يتوقع البعض في ظل الاختلاف بين الرئيس الفائز في فرنسا والمستشارة الألمانية نشوب معركة بين الطرفين، هناك ما يكفي من الدلائل والمعطيات التي تذهب في اتجاه احتمال تعميق الانقسام الأوروبي بين أنصار الإنقاذ الاقتصادي الذين يريدون تدخل البنك المركزي الأوروبي ومن ورائه ألمانيا لتحفيز النمو وإنقاذ أوروبا اللاتينية، وبين دعاة الانضباط المالي بقيادة ألمانيا المصرة على فرض سياسة صارمة للتقشف حتى تصلح دول نادي المتوسط أوضاعها وتعيد التوازن لمالياتها المختلة.
ويشكل صعود هولاند إلى الرئاسة النموذج الملموس الأول لبداية تمرد شعبي في أوروبا ضد القوى السياسية المنادية بمقولة الألم قبل المكسب، ووفقاً لهذا الرأي ستظل ميركل محصورة في برلين بعد أن يضعف موقفها أوروبياً ولكنها بسبب عنادها لن تفرط في فلس واحد، وسوف تتمسك بسياسة التقشف، الأمر الذي سيدخل أوروبا في حالة من الشلل يصاحبها اضطراب الأسواق ومرحلة جديدة من الخطر المحدق باليورو.. هولاند سيقود بلداً عانى مؤخراً من خسارة مرتبته الائتمانية المميزة، كما سجل على مدى العقد الأخير (500) الآف وظيفة في القطاع الصناعي، وبسبب إنكماش التصدير تعاني فرنسا اليوم من مستويات عجز قياسية وفي الوقت الذي تراجعت فيه القدرة التنافسية للبلد فقد سجل ارتفاعاً كبيراً في نسبة البطالة، حيث بلغت 10% ، أما الدين العام فقد وصلت حصته من الناتج المحلي الإجمالي 90% وأمام هذه المشاكل والتحديات يريد هولاند مساهمة أموال الدولة في إيجاد الحلول، ولكن الدولة تستهلك أصلاً 56% من الناتج المحلي الإجمالي ولذا يقترح هولاند رفع الضرائب ومع ذلك سيحتاج إلى مصادر دخل إضافية لدفع تكلفة الإصلاحات التي أعلن عنها وهي إصلاحات وصفتها إحدى المجلات الشهيرة تندراً بأنها أغاني الثمانينات المتمثلة حسب هولاند في توظيف (60) ألف مدرس و(5) آلاف ضابط شرطة وخفض سن التقاعد من 62 إلى 60 سنة، بالإضافة إلى الحفاظ على 35 ساعة عمل في الأسبوع دون زيادة، فكيف سيفي هولاند إذن بالتزام تقليص الديون وفقاً للقواعد الأوروبية المتفق عليها بحلول 2013؟.
الناخبون الفرنسيون طووا صفحة أحد أوثق حلفاء الولايات المتحدة الاستراتيجيين متمثلاً في نيكولا ساركوزي ونصبوا مكانه الاشتراكي فرانسو هولاند الذي تعهد خلال حملته الانتخابية بسحب ما تبقى من الجنود الفرنسيين البالغ عددهم (3500) جندي من مهمة حلف شمال الأطلسي بأفغانستان وذلك مع نهاية 2012.
صعود هولاند إلى الرئاسة في الانتخابات الأخيرة وخروج ساركوزي من الساحة السياسية ليس مرده السياسة الخارجية بقد ما يعزى إلى الطريقة التي تعامل بها ساركوزي مع الاقتصاد المتباطئ واستياء الفرنسيين من أسلوبه الاستعراضي في الحكم.
هامش:
1- الاتحاد العدد (13454) 6/5/2012
2- الاتحاد العدد (13456) 8/5/2012
3- الاتحاد العدد (13459) 11/5/2012
4- الاتحاد العدد (13460) 12/5/2012
د.علي الفقيه
الانتخابات الفرنسية نشوء معادلة أوروبية جديدة!! 1-2 1926