يعرف الفساد ربما بأنه انحراف أو تدمير النزاهة في أداء الوظائف العامة من خلال الرشوة والمحاباة. وقد يعنى الفساد : التلف اذا ارتبط المعنى بسلعة ما وهو لفظ شامل لكافة النواحى السلبية في الحياة وعندما يرتبط بالإنسان : يعنى انعدام الضمير وضعف الوازع الديني عند الشخص بما يجعل من نفسه بيئة صالحة لنمو الفساد.
ولقد استحضر لي هذا المصطلح " الرجل المريض "وموضوعه مسألة الفساد لدينا واختلاف رؤانا الإيديولوجية وأحزابنا وكل من أدلى بدلوه لمعالجته بالرغم من سهولة تشخيص دائه. فقد أجمعت الأمة على علله المتعددة من الواسطة والمحسوبية والشللية وغياب الأمانة وتخوين الأمين وتأمين الخائن وتقديم الرويبضة واستبعاد" القوي الأمين" و"الحفيظ العليم "وقلة الدين و الشخصنة والتهافت على الدنيا وطلبها بقوة وتناسي الموت. فالداء وأسبابه واضح لنا وظاهر لنا بوضوح، لكن أين تكمن الإشكالية ؟
الإشكالية تكمن في أن هذا الفساد له سبعة أرواح ليس لأنه يحتاج إلى"خاتم سليمان" أو "لقدرة قادر" بل لان الأمة ونحن أبناء اليمن بالأخص لم نجتمع على حل شافي وناجح له. فتحسبنا جمعاً وقلوبنا شتى. صحيح أننا جميعا متفقون على حرمة التطاول على المال العام على سبيل المثال لا الحصر لأي كان من كان. فأول خليفة للرسول الأعظم صلى الله عله وسلم كان تاجراً لكن الأمة بعد بيعته اقتطعوا له راتباً شهرياً من بيت مال المسلمين ومنعوه من التجارة. فماذا ورّث حين رحل رضي الله عنه وأرضاه لعياله ؟ وماذا ورّث أمير المؤمنين الفاروق عمر من بعده لعياله ؟! وهما اللذان أسسا رضي الله عنهما السلوك السياسي الرسمي للحاكم اتجاه المال العام وحفظه وصونه من عبث العابثين.
نتفق جميعاً ـ حكاماً ومحكومين ـ على محاربة الفساد بكل تجلياته، لكننا لم نجتمع على دواء شاف وناجح لمعالجته. هذه هي المشكلة. فكما أننا اختلفنا على حل معضلة السلطة في عالمنا الإسلامي وأنتج هذا الخلاف الدكتاتوريات والاستبداد في السلطة والتعسف في ممارستها، فقد أدى اختلافنا وكثرة الأدوية وبرامج العلاج في صيدلياتنا وحيرة الأمة وأبناء هذا الوطن في الاختيار الأمثل للدواء المناسب لعلاجه من بين الأدوية المعروضة على كثرتها أطال من عمر هذا الفساد فأصبح وكأنه بسبعة أرواح.
فبقايا النظام السابق يعرضون دواء، لكن من يتفق معهم هم قلة قليلة لا تكاد تراها بالعين المجردة. ولولا غفلة الأمة في لحظات من تاريخها المعاصر ما استطاعوا القفز على السلطة من خلال المؤسسة العسكرية. وها هم يحقنون الأمة صباح مساء بسمومهم ويحسبون أنهم يحسنون صنعا. وأحزابنا الأخرى على اختلاف مذاهبهم، والتي تسمي نفسها بالوطنية فصيدلياتها لا تقدم إلا المسكنات لهذا الفساد، فهي تحاول أن تستفيد من حالته بانتهازها الفرص المتاحة والتسلق في مراتب ذلك.وهي بذلك تضاعف من حجمه وعمقه.
إذاً المسالة لا تكمن في قوة الفساد والمفسدين لأنهم يسكنون في بيت اوهن من بيت العنكبوت.بل تكمن في تضارب وتنافس بل وتضاد برامجنا الإصلاحية و اضعف ذلك أي قوة اجتماعية- سياسية تحاول النفاذ له ومعالجته. والمتمعن في المشهد اليمني الآن يرى أن الذي يتخندق أمام هذا العدو الغاشم " الفساد" يجد كم هذا العدو "وضيع " لكنه بسبعة أرواح ! فحين يلحظ أن المتخندقين أمامه لا يصوبون سلاحهم عليه بل على بعضهم البعض وتحسبهم جمعا وقلوبهم شتى. فنم هنيئا قرير العين أيها الفساد، فالمتربصون بك الدوائر ببعضهم عنك غافلون وكيدهم عنك محجوب و"إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".
رائد محمد سيف
الرجل المريض (الفساد) !!! 1908