الخميس الماضي كنت قد اتجهت مع إحدى الصديقات إلى المالية بخور مكسر بغية استلام القسيمة الخاصة بصرف المرتبات للموظفين الجدد، فصديقتي كانت إحداهن وما إن وصلنا إلى هناك حتى رأيت العشرات من الموظفين الجدد يتناثرون هنا وهناك ما بين قائم وقاعد وحائر يتلفت يمنة ويسرة عله يتعرف على زميل قديم أو ربما يفتش عن صديق قذفت به كارثة النزوح والتهجير إلى مكان سحيق وهوت به ريح التشرد إلى المجهول من بقاع وأصقاع لم يكن له بها أي عهد سابق.
لقد كان المشهد مؤثراً حقاً وهم يلتقون وجهاً لوجه للمرة الأولى بعد سنوات طوال من التخرج وبعضهم الآخر للمرة الأولى منذ النزوح المشؤوم، يتبادلون التحايا والتبريكات ويتجاذبون أطراف الحديث على عجل، فكل منهم لديه ما يشغله، فالأمل اليوم في النفوس قد تجدد واليأس قد تبدد والاعتراف بهم لم يعد مجرد حبر على ورق والأمر قد دخل فعلياً في الجد، بل وغدا حيز التنفيذ بدليل هذه القسائم التي يصطفون لاستلامها، وهذه الطوابير والصفوف الطويلة أو العريضة التي لم يثنها حرّ الصيف اللاهب وأشعة الشمس الحارقة، لتؤكد اليوم عزمها على إثبات وجودها وسعة صدرها وعظيم صبرها.
نعم الموظفون الجدد اعتمدوا اليوم، لكنها الفرحة ناقصة بائسة، نشعر بمرارتها وأنت تنظر إليهم وتقرأ تفاصيلها، فسيماهم على وجوههم، فالهوية نازح أو مهجر في إحدى المحافظات أو مشرد في إحدى المديريات التابعة لمحافظته المكلومة التي غدت بنيتها التحتية في خبر كان.
فلله درك أيها المعلم وأيتها المعلمة وأنتم توزعون في مدارس لم يعد لكم منها سوى أسماء وبقايا أطلال وركام، فالمعارك الطاحنة ابتلعت كل شيء وأجهزت على كل شيء ولم تعتق في العاصمة مسجداً أو مدرسة أو حدة صحية.
في الأخير بقي أن نتساءل عن مصير الذين حال حظهم العاثر دون وجودهم ضمن هذه القوائم التي تم الإفراج عنها من سجون البطالة المقيتة وتم تحريرهم من أسر اليأس والإحباط الذي جعل منهم أمواتاً غير أحياء؟ فهل ترى يتجدد الأمل وتتاح فرصة جديدة ولفتة كريمة للآخرين وبالأخص الفئة التي أمضت عقداً أو يزيد في مستنقع البطالة؟.
عفاف سالم
الموظفون الجدد.. يأس تبدد وأمل تجدد!! 1717