لعل الخطأ الذي يرتكبه بعض المفكرين أنهم يظنون أن بالإمكان التخلص من التخلف عن طريق الأخذ بمذهب أيديولوجي بعينه دون سواه.
وفي الحقيقة أن أي مذهب أيديولوجي يمكن أن يسهم في التخلص من التخلف ولكن هذا الإمكان لا يُحقق إلا بإعمال الفكر النقدي، العبرة أو مربط الفرس هنا في سياق السعي إلى التخلص من التخلف ليس هوية المذهب الأيديولوجي ولكن إعمال الفكر النقدي عند تطبيق ذلك المذهب لن يقطع أي من المذاهب الأيديولوجية شوطاً بعيداً ما لم تكن محاولة تطبيقه ممهورة ومرفودة بالفكر النقدي المراعَى أو المأخوذ في الحسبان. والمذهب الأيديولوجي الذي قد يكون أقل جذباً أو أقل شعبية والذي يُظن أنه لا يحقق التقدم الثقافي أو الحضاري أو العلمي أو السياسي أو الاقتصادي قد يتضح أنه يقطع شوطاً أبعد في هذا الاتجاه إذا اقترنت محاولة تطبيقه بالفكر النقدي المراعَى من الشوط الذي يقطعه في هذا الاتجاه مذهب أيديولوجي شعبي ويحظى بتوافق الآراء ولكن تفتقر محاولة تطبيقه إلى الفكر النقدي المراعَى.
حتى يتم القضاء على تخلف واقعنا يجب إعمال الفكر النقدي وتجب غلبته ووظيفة هذا الفكر القيام بالنقد الموضوعي بمقدار إمكان القيام بهذا النقد، والفكر النقدي ينأى بنفسه عن أن يكون أداة أيديولوجية، على الرغم من أنه يمكن أن يخدم أغراضاً أيديولوجية، يمكن أن يمارس الفكر الوظيفةَ النقدية في أي سياق أيديولوجي أو غير أيديولوجي.
ودعونا نتريث بعض الوقت في عرضنا؛ دعونا نتوقف بعض الوقت عند معنى الفكر النقدي، ينبغي لنا، ونحن نتكلم عن تلفيقية السلوك والمواقف، أن نحذر من أن يتسم سلوكنا الفكري بالتلفيقية عند الكلام عن الفكر النقدي المراعَى. اعتماد نقدية الفكر معناه تطبيق الإجراءات النقدية والخلوص العقلاني والموضوعية والواقعي والتاريخي إلى الاستنتاجات ومحاولة التطبيق العلمي المتسق لتلك الاستنتاجات وعدم تطبيق الإجراءات النقدية أو عدم الخلوص إلى الاستنتاجات بالطريقة المذكورة أو عدم محاولة تطبيقها من شأنه أن يعني أننا لم نعتمد نقدية الفكر ومراعاة الفكر النقدي.
إيمان سنان
الفكر النقدي للقضاء على التخلف 1869